فهل يعني حكم يحيى الذي أوتيه صبيا حكم الملك؟ ولم يكن ملكا وإنما ذبحه كما الحسين (عليه السلام) ملك ظالم! أم حكم ولاية الرسالة او النبوة؟ ولا دليل عليه حين كان صبيا مهما بلغ بعد صباه الى رسالة ام نبوة! ام حكم الولاية الشرعية ولما يبلغ أشده؟ او حكم العقل والفهم بصورة خارقة للعادة وهو مادة الولاية الشرعية؟ وهو القدر المتيقن من حكمه ، كخارقة إلهية لمن لم يبلغ أشده ، مهما أبلغه الله شدا واحدا وهو العقل الرزين والإدراك المتين (١) فلا نبي فيمن نعرف أوتي حكما قبل ان يبلغ أشده وكما موسى : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) (٢٨ : ١٤) وفي يوسف (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) (١٢ : ٢٢). ولم يك عيسى نبيا في المهد مهما تكلم بوحي النبوة ، ذودا عن أمه المعصومة ، وتبشيرا برسالته
__________________
(١) نور الثقلين ٣ : ٣٢٥ ح ٣٤ في كتاب الاحتجاج للطبرسي وروي عن موسى بن جعفر (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن علي (عليهم السلام) قال : ان يهوديا من يهود الشام وأحبارهم قال لأمير المؤمنين (عليه السلام) فهذا يحيى بن زكريا يقال : انه اوتي الحكم صبيا والحلم والفهم وانه كان يبكي من غير ذنب وكان يواصل الصوم؟ قال علي (عليه السلام) : لقد كان كذلك ومحمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) اعطي أفضل من هذا ان يحيى بن زكريا كان في عصر لا أوثان فيه ولا جاهلية ومحمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) اوتي الحكم والفهم صبيا بين عبدة الأوثان وحزب الشيطان فلم يرغب لهم في صنم قط ولم ينشط لأعيادهم ولم ير منه (صلّى الله عليه وآله وسلم) كذب قط وكان أمينا صدوقا حليما وكان يواصل صوم الأسبوع والأقل والأكثر فيقال له في ذلك فيقول : اني لست كأحدكم اني أظل عند ربي يطعمني ويسقين وكان يبكي (صلّى الله عليه وآله وسلم) حتى يبتل مصلاه خشية من الله عز وجل من غير جرم.
أقول : قياسه صبا محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) بصبا يحيى دليل على ان الحكم فيهما ليس النبوة وانما الحالة المتحضرة للنبوة الآتية.