هنا فقط تأدبا فإنه ليس قولا ورأيا ثانيا يجعل قائليه حزبا ثانيا ، ولا انه إحصاء ثان (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى) وإلّا لقالوا «ربكم اعلم بما لبثنا» لا (رَبُّكُمْ)!
إنما «اعلم» لأن لنا بعض العلم بأمد لبثنا اعتبارا بمظاهرنا ، ثم لا نعلم أمدنا إحصاء تاما بل (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا ..)
ومن لطيف الأمر في هذه الحوار انها تلمح انهم لم يكونوا اقل من سبعة : (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ) فواحد (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) أقلهم ثلاثة فانها اقل الجمع (قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) كذلك اضافة الى جمعي «كم وتم» حيث يؤكدان جمع الأوّل كما ان «قالوا» دليل الجمع الثاني!
وإذا حصرت الأقوال في عدتهم في : ثلاثة ـ خمسة ـ سبعة ، فالأولان مرفوضان والثالث متعين ، ولا سيما بما يأتي من رجم الغيب لهما دونه (١)
وهذا هو شأن المؤمن : «ربنا اعلم» فيما لا يعلم ، ام يعلم ولا يستيقن ، وكيف يعلم ما يعلمه الله من أمره الذي لا يعلم؟ يحاول بما عنده من وسائل ليعلم ومنها هنا : (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ ..) يتبين لكم من نومكم (يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ام دهرا طويلا قضي على
__________________
(١) هنا احتمالات ست ـ ١ ـ «قالَ قائِلٌ» واحد «قالُوا لَبِثْنا ...» ثلاثة «قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ» ثلاثة والمجموع سبعة ـ ٢ ـ «قالوا» في كل اثنان ، أحدهما في الثانية هو القائل الأوّل فالمجموع اربعة ، ام ليس هو هو فخمسة ، او «قالوا» في أحدهما اثنان وفي الآخر ثلاثة ، واحد من الثاني هو الاول فخمسة ام لا فستة ، فالأربعة والستة خلاف الأقوال الثلاثة في الآية (٣٢) والخمسة تخالف ظاهر الجمع انه ثلاثة فما فوق ، فالمتعين هو السبعة حيث الاول «قائِلٌ مِنْهُمْ» ليس في «قالوا» الثانية وهو لا ينافي في «أَيُّ الْحِزْبَيْنِ» فانه ليس حزبا ولا داخلا في اي الحزبين تأمل.