فعلى المؤمن الفرار من جو الضلال والتقية ، ثم ليس له الرجوع الى ذلك الجو إلّا لمرجح أهمّ ، او الإقدام على ما يحتمل الرجوع اضطراريا لواجب أهم رعاية للحائطة ، فلا تقية (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) (١٦ : ١٠٦) وهنا يذهب الايمان ويذوب وليست تقية إكراه حيث التسبب الى الانحصار في مجتمع الكفر والانحسار عن خالص التوحيد كان نتيجة الاختيار ، وأرض الله واسعة تفرض على المؤمن الفرار بإيمانه ، فكيف الرجوع الى جو اللّاإيمان : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً. إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً. فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ ، (٤ : ٩٩).
هكذا نشهد مشهد فتية الايمان إذ يتناجون فيما بينهم حذرين غير عارفين بكرور الأيام ومرور الأعوام ، فقد دارت عجلة الزمان فتعاقبت اجيال واختلفت أميال ، فمدينتهم التي هاجروها تغيرت عوالمها ومعالمها ، ودالت دولات المتسلطين عليها وقصة الفتية تناقلتها الأخلاف عن الاسلاف على تعارض الأقاويل حولهم.
ومن ثم الآن اهل المدينة مؤمنون ، شديدو الحفاوة بالفتية المؤمنين ، وبعد ما رأوا واحدا منهم بصورة وسيرة اخرى وبورق آخر مرت عليه الزمن :
(وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً)(٢١)
الإعثار هو الاطلاع مضمّنا مصادفة الشيء من دون طلب له ولا