مرتين في مكة المكرمة ، تارة إلى الحبشة واخرى إلى المدينة ، حيث المهاجرة في الله لا تحمل معها صورة خاصة ، ولا سيما ان السورة مدنية وقد تمت تلك المهاجرات الخاصة ، وانما تعني التباعد عن كل ما يعرقل المسير في سبيل الله ، وأهمه المهاجرة الأنفسية ، ثم الافاقية هي من مظاهرها ، فقد تقتضي الهجرة عن ارض الوطن ، واخرى البقاء في ارض الوطن ، كما قد تنتهي إلى القتل واخرى إلى الموت.
ومن ميّزات هذه الآيات ان تسعا منها متتالية تحمل ثمانية عشر من اسماء الله تعالى ، تختم كل واحدة باسمين من اسماء الله الحسنى بعد الجلالة : وان الله لهو خير الرازقين ـ العليم الحليم ـ العفو الغفور ـ السميع البصير ـ العلي الكبير ـ اللطيف الخبير ـ الغني الحميد ـ الرؤوف الرحيم ، أحياكم ثم يميتكم».
وهذه ظاهرة منقطعة النظير في الذكر الحكيم ، مما يدل على عظم الموقف للمهاجرين في سبيل الله :
(وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ٥٨ لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ) ٥٩.
هنا (هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) هو الأصل (ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا) دون تفاضل ، فقد يقتل في سبيل الله ، وقد يقتل ثم يموت ، ام لا يقتل ولا يقتل ثم يموت ، والمهاجر في سبيل الله هو في ايّ من هذه الحالات الثلاث على سواء في (لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً) بعد القتل او الموت ، وهو حياة طيبة عند الله ، ممتازة عن سائر الحياة لسائر القتلى او الأموات الذين لم يهاجروا في سبيل الله ، ثم لم يقتلوا او يموتوا في سبيل الله ، مهما كانوا مؤمنين ، فان المهاجرة في سبيل الله تصبّغ القتل او الموت بنفس الصبغة الإلهية