فإطعام البائس الفقير ، والقانع والمعتر ، في ذلك المسرح العظيم ، هو القاعدة المتينة والضابطة الركينة ، المصرّح بها في آياتها ، لا فقط : الزاوية الاولى والثانية ، اللتان لا يعرفهما الا اهلوهما ، ولو كانت فيهما الكفاية فليختص الهدي بقلة قليلة يعرفونهما ، ام لتجب معرفتهما لكل مهدي يقدم أضحيته لكي لا تذهب هباء منثورا!.
هنا (التَّقْوى مِنْكُمْ) ـ في هذه الزوايا الثلاث ـ تنال الله ، وان كانت أخيرتها وهي القاعدة الظاهرة إطعاما لعباد الله ، ثم (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها) خلاف ما كان يزعمها المشركون :
«فقد كان اهل الجاهلية إذا ذبحوا لطخوا بالدم وجه الكعبة وشرحوا اللحم ووضعوه على الحجارة وقالوا لا يحل لنا ان نأكل شيئا جعلناه لله حتى تأكله السباع والطير فلما جاء الإسلام جاء الناس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا : شيئا كنا نصفحه في الجاهلية ألا نصنعه الآن فانما هو لله (١).
فالآن ـ وقد ابتلي المسلمون بمثل هذه الفعلة المنكرة ، والتبذير الموحش الوحشي ، بل واجتازوا فعلة المشركين ، حيث المذبح أصبح نتنا وعفنا لحد لا يقر به حتى السباع لتأكل من اللحوم ـ فمن هو المسؤول هنا إلا الفقهاء ، حيث ظلوا يفتون بوجوب الذبح في محشر منى ، دون ان يفكروا في علاج لهذه المشكلة العويصة من تبذير منقطع النظير في تاريخ الوحش والإنسان ، إحراقا او دفنا بالجرّافات والبولدوذرات لآلافات
__________________
(١) آيات الأحكام للجصاص ٣ : ٢٩٠ روى يونس بن بكير عن أبي بكر الهذلي قال : ...