وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (١٦ : ٧٠)(١).
فلا يعني التوفي هنا ـ فقط ـ الإماتة فانها تعم من يرد إلى أرذل العمر ، بل هو التعمير بحالة الأشد ، ثم الإماتة عنها ، خلاف من يردّ إلى أرذل العمر ، إذ لم يتوفّ من الناحية الأولى ، ام هدّمت أشده التي تخطاها بارذل العمر.
ولان العمر هو منذ الولادة حتى الموت ، إذا فأرذل العمر هو عمر الوليد الجديد ـ :
(لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) فمحور الرذالة هو اللّاعلم عقليا ومعرفيا ، دون النكسة البدنية ، وهما الشدّان الإنسانيان ، والثالثة البدنية هي الحيوانية المستخدمة المقارنة لهما زمنيا في الاكثرية المطلقة.
فيا ويلاه حين يرد إلى أرذل العمر ، مرتدا الى طفولته الطفلاء ، في عواطفه وانفعالاته ، في وعيه ومعلوماته ، في تقديراته وتدبيراته ، اقل شيء يضحكه ويرضيه ، واقل شيء يسخطه ويبكيه ، ناسيا أوائل الأمور قبل انتهاءه إلى أواسطها وأواخرها ، فالتا عن عقله الناضج وعلمه الهائج ، المتخايل بهما المتطاول فيهما ، ثم :
(وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً) : عوانا بين الموت والحياة ، مستعدة للحياة فالهامد هو الحيوان الذي همد وسكن بعد حراكه ، وخشع بعد تطالّه واشرافه لعلة طرأت عليه فأصارته إلى ذلك ، ثم أفاق من تلك الغمرة وصحا من هذه السّكرة فتحرك واستهب بعد هموده وركوده.
__________________
(١) هنا قول فصل في تفسير أرذل العمر فراجع سورة النحل.