المشركون كانوا ولا يزالون يعبدون غير الله ولا يعبدون الله لا توحيدا ولا اشراكا ، واطلاق الإشراك على عبادتهم لا يعني الجمع بين العبوديتين ، وانما لأنهم يعبدون من لا يستحق ، كأنه الله الذي يعبد ، فهي إذا إشراك في اصل استحقاق العبادة لا من حيث واقع الشركة ، فالله ـ في زعمهم ـ شريك في الاستحقاق ، وليس له نصيب العبادة في الواقع حسب الزعم انه أعظم من ان يعبد بنفسه ، فليعبد شركاءه : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) فلو كان يصح عبادته لم تصح عبادة غيره.
ثم (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) قائم مقام ذلك الحصر (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) وحتى بالنسبة لمن يجمعون بين العبادتين ، كما هو واقع في آخرين من المشركين ومن مقالهم (تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٢٦ : ٩٨) والشرك الاول ليس ـ في زعمهم ـ تسوية ، ثم ومن مصاديق الإشراك الواقع في العبادة رئاء الناس ، حيث المعبود الأصل فيها هو الله ، اضافة إلى رعاية الناظر رئاء له «أفلا تتقون» الشرك بالله ، و «لا تتقون» عذاب الله؟.
وهنا (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) برهان لا مرد له لحصر العبودية في الله إذ لا يعبد الا الإله ولا اله الا الله ، فلا يعبد الا إياه.
ولكن الملأ المستكبرين من قومه الذين لم يناقشوا أمثال هذه الحجج الباهضة الناهضة للهدى ، انهم تغافلوا عنها بصورتها العامة واخلدوا إلى شخصياتهم الوهمية قياسا إلى شخص نوح كالسا فالسا في حقول البرهان :
(فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) ٢٤.
«من» هنا تبعّض قومه الكافرين إلى الملأ المستكبرين الأشراف وسواهم ، وهذه الأقاويل ليست الا منهم الأصول دون الهوامش الأتباع