مناسك الحج كلها تحوي أسرارا ، فطواف البيت هو محور الأسرار ، حيث تحللت الآن عن كل طواف حول كلّ مطاف ، فتطوف الآن حول البيت العتيق.
لقد كنت قبل طائفا حول نفسك ونفسياتك ، ام أنفس الآخرين ونفسياتهم ، ثم لبيّت دعوة ربك لحج بيته العتيق ، لبيك لله ولا لبيك لسواه ، فأنت الآن وبعد إحرامك تطوف حول البيت العتيق ، بعد ما كنت طائفا طوف الرقيق حول الرقيق ، فالآن أنت منعتق عن التطواف حول ما سوى الله ومن سوى الله ، حيث بيت الله في كونه مطافا يمثل التطواف حول محور الحق لا سواه ، الله لا سواه ، كما الطواف محصور في بيت الله لا سواه.
أنت في حياتك كلها طائف حول مطاف ، حركة دائرية دائبة حول مركز من مراكز الحياة والحيوية كما تروم ، فتحوم حومه ، وتطوف حوله ، واصلا اليه ام غير واصل ، حاصلا على بغيتك ام غير حاصل.
فأنت طائف أينما كنت وحيثما كنت ، فأنت أنت بنفسك الطواف طائفا حول نفسك ونفسياتك ، حول إنّياتك ومراداتك ، حول أصنامك وطواغيتك ، حول شخصياتك ومصلحياتك في كل محاورك ، حركة دائبة دون أيّة وقفة ، وكلها هباء وإلى العراء ، والآن ـ بعد ما لبيّت ـ تبدّل محور الطواف عن كل المحاور سوى الله ، من غير الله الى الله ، من سائر البيوت وأصحابها إلى بيت الله وإلى الله.
وانه حركة دائرية لا توصلك إلى مركزها ، حيث الله لا يوصل إليه ، ولا نهاية لها قضية الدائرة ، لان معرفة الله وعبوديته لا نهاية لها ، وانما تجعل هنا ـ كأمثولة ـ كلّ حركاتك حول محور الحق ، فليس لله مكان ولا بيت يحله حتى يطاف حوله ، وانما جعل هذا البيت رمزا للتطواف الحق ،