وقد تختلف الأمانات وجاه متقبليها في عرضها ، فلا تعرض امانة العقل على من ليس يعقل ، ولا امانة الشعور على من ليس يشعر ، ولا اية امانة على ما ليس ليحملها ، وهنا «الامانة» معروضة على الكون كله فكائنة كامنة في الكون كله ، المعبر عنه هنا وفي سائر القرآن ب (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وتخصيص الجبال من زمرة غير العقلاء يعني مثالا لأصلب كائن وأصلده ، كما تخصيص الإنسان من زمرة العقلاء يعني اعقل كائن ، فهذه الامانة من الرحمة الرحمانية بعد الخلق كالهداية العامة (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) ومن الهدى لكل شيء هدي التسبيح (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) وتجمعهما الولاية وكما في رواية.
إذا فليست هي فقط ـ امانة العقل إذ تخص العقلاء ، ولا امانة الشعور إذ تخص الدواب ، ولا اية امانة تخص كائنا دون سواه ، فهي إذا امانة تعم كل كائن هي مخلوقة معه مفطورة فيه ، خلقت مع الخلق كله وعرضت على الخلق كله فانقسم في هذا العرض العريض الى من (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) فهي ـ إذا ـ الولاية ، شعور التسبيح بحمد الله وواقعه.
ولأنها امانة فقد تحملها الكون كله كرها في تكوينه ، إذ لا تسمى امانة وجاه من لم يتقبلها ، ثم ولا موقف لها امانة إلّا أداؤها او خيانتها : (فَأَبَيْنَ ... وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) بعد تحملّها في كره التكوين فحمل الامانة هو خيانتها ، والإنسان هو رأس الزاوية في خيانة الامانة ثم الجن ثم سائر المكلفين ، فهو من هذه الناحية ـ ككلّ ومجموعة ـ في أسفل سافلين ، ومن حيث السابقين والمقربين واصحاب اليمين هو رأس الزاوية في أداء الامانة سليمة فهو في أعلى عليين ، حيث الرسالات الإلهية في الأصل ليست الا في