التبعة إلّا عليكم ، إذ كنا نحن قاصرين ، ولو خلينا وأنفسنا لكنا مؤمنين.
قولة جاهرة اليوم وقد سقطت القيم الزائفة وواجهوا واقع العذاب ، وهم قبل اليوم لم يكن يخلد بخلدهم ان يقولوها ، حيث التخاذل ، والضعف القاصد ، والاستسلام المصلحي ، وبيع الحرية والكرامة بالأركس الأدنى ، كانت تحول دون هذه القولة الجاهرة ، وهنا الجواب الحاسم من الذين استكبروا.
(أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ) (٣٢) والهدى تحل محلها من قلوب صافية ضافية ، فليست لتصد بعد إذ جاءت (بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ) قبل ان نصدكم ، فقد أجرمتم ثمرة الحياة تغاضيا عن فطركم وعقولكم ، وتحكيما لحاضر شهواتكم ، ثم نحن واصلنا في إضلالكم : ظلمات بعضها فوق بعض ، فنحن وإياكم صادون عن الهدى على سواء ، فان كنا نحن مجرمين مستكبرين ، فقد كنتم أنتم مجرمين مستضعفين ، وكل إناء بما فيه يرشح!
ثم يرجع المستضعفون بما يخفف عنهم في زعمهم عذابهم ، ويثقل على المستكبرين :
(قالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً ...)(٣٣).
لو اننا بقينا على جرمنا دون مكر وأمر منكم لخف الوطء عنا وكنا اقل منكم عذابا (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) من ناحية ونحن ضعاف العقول ، و (إِذْ تَأْمُرُونَنا ..) من اخرى وأنتم أقوياء ، ولكن الذي جائته الهدى على بينة كيف يمكر ، ام الذي يؤمن بها كيف يكفر حين يؤمر؟ والكفر والايمان من الأمور القلبية لا إكراه فيها ...