أترى من ذا الذي يزين سوء العمل ليرى حسنا وهو إضلال؟ ام لا يزين فهو هدى؟ (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُ .. وَيَهْدِي ..)! وذلك التزيين إضلال هو في الأصل من الشيطان حين يرى له ظرفا قابلا من (الَّذِينَ كَفَرُوا) واضرابهم : (.. وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) (٢٩ : ٣٨).
ثم الله لا يهديهم في هذه المعركة لأنهم هم السبب فيها مستبصرين ، فيذرهم في غيّهم يتيهون جزاء بما كانوا يعملون.
إذا فللتزيين هنا نسبتان ، نسبة الى الشيطان تعاملا مع الذين كفروا ، ونسبة الى الرحمن حيث لا يحول دونه وإياهم (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) (٢٧ : ٤).
فلكل من الخيرات والشرور نسبة الى الله عدلا او فضلا ، مهما تنسب الى فاعليها خيرا أو شرا (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ).
ولعمر الله ان ذلك مفتاح الشر كله ان يزيّن للإنسان سوء عمله فيراه حسنا ، معجبا بنفسه وكل صادر منه ووارد له ، فلانه واثق من عمله فلا يفتش عنه ولا عن مصدره ومورده ، فهو من الأخسرين أعمالا (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً).
وانه باب فسيح للشر كله ، ونافذة السوء كله ، ومفتاح الضلالة كلها ، نموذج الضال الهالك ، البائر المائر ، السائر الصائر الى شر مصير (جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
ورغم ان من كمال الإنسان التدرج الى كمال وأكمل ، وليس ذلك إلّا ان يعيش نقدا بكل يقظة في أموره ، فالذي يرى كل اعماله