ارادة التنويع في خلق الماء بواقعها ظاهرة ، ووراءها حكمة ظاهرة في العذب الفرات ، باطنة في الملح الأجاج ، فمهما كان العذب الفرات سائغا شرابه ، ولكن الملح الأجاج سائغ فائق لحمه وحليه ، وان كان (مِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) واين حلية من حلية ولحم من لحم؟
و (لَحْماً طَرِيًّا) هو الأسماك المحللة دون لحوم البحر كلها حتى الكلاب والخنازير ، فانها حرمت بالسنة القطعية ، و (حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) هي اللؤلؤ والمرجان : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ. بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ. يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) (٥٥ : ٢٢)(١).
(وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ) ـ (وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ) (١٦ : ١٧) والمواخر هي المشاق حيث الفلك تشق البحر وكأنها أصبحت «فيه مواخر فيه» حيث الأمواج الهائجة تجعل الفلك في خضمّها وهي غائبة غارقة فيها ، وكل ذلك (لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
(يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ)(١٣).
«يولج» ايلاجا واقعيا حيث يلج من أفق الليل في أفق النهار شتويا ، وعكسه صيفيا ، وآخر في المنظر حيث يلتقيان فجرا ومغربا ، ففي مشهد
__________________
(١). راجع تفسير «الرحمن» في الفرقان ٢٧ : ٢٨ ، تجد فيه تفصيل خروجهما من البحرين باختلاف الكم والكيف ، وان البحرين يشتركان في وجود اللؤلؤ والمرجان فيهما كما ويصدقه العلم الباحث عنه الكاشف له.