ذاتية الفقر الى ذاتية الغنى وبأحرى المعاكسة ، فانما (أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)!
والفقر والغنى وصفان للكائن ، فلا يقال للمعدوم المطلق فقير ، وآية الفقر تقرر اصل الفقر للإنسان ، وتعلقه في فقره بالله والى الله ، فالفقير الذات وفي الأفعال والصفات بحاجة ضرورية الى غني في كافة الجهات والحيثيات ، فلولا ان هناك كائنا غني الذات ، لما كان للفقير كون ، ام لو لم يكن حميدا لم يكن للفقير ما يكفيه به ويغنيه ، ولولا انه حميد لم يقرر مصير الحساب يوم الحساب ، فهو غني حميد في غناه في النشأتين. إذا ففي فقر الكائنات من حيث الذات دليل لا مرد له على وجود كائن غني الذات ، وإلا فأين وجودات الممكنات ، حيث الافتقار في اصل الذات وحاقها دليل الحدوث ، فمن ذا الذي أحدثها إلّا ازلي الذات وغنيها؟.
وتجد في آية الذاريات (٤٩) اعمق البراهين للفقر الذاتي في الكائنات كلها ، حيث الزوجية هي كيان كل كائن سوى الله : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ)(١)!.
ومهما كان في الكون غنى نسبية لكائن امام الآخر ، فهما في الفقر الى الله سواء ، كما وهما في اصل الفقر سواء ، فأنت الغني في المال بحاجة الى فقير العمال كما الفقير المال بحاجة إليك في المال ، فلكلّ فقر من جهة وغنى نسبية من اخرى ، وهما في غناهما فقيران الى الله الذي اغناهما!
أنت ساكن فقير صغير من سكان هذه الأرض ، وهي تابعة صغيرة من
__________________
(١). راجع الفرقان لتفسير الآية بقول فصل كاعمق البراهين لاثبات وجود الله.