رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ)(٩).
هناك صورة مطموسة نكدة مرهقة تقابلها هنا صورة ووضيئة ووضاءة مرهفة ، حساسة وشفافة مشرقة ، أتلك هي الخيّرة النيّرة (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ) يلزم الطاعة متخضعا (آناءَ اللَّيْلِ) (نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً ، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) حال كونه فيها (ساجِداً وَقائِماً) وعلّ «راكعا» هنا مضمّن في «ساجدا» بقرينة «قائما» وإنّ الصلاة هي خير موضوع فهي خير قنوت! (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ) حذرا عن موجبات عقابها على أية حال (وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) رجاء بما يقدمه من صالحات تصلح للرجاء ، فهو عائش حياته بين الخوف والرجاء.
فأين تلك الجهالة الحمقاء الخواء ، وهذه المعرفة اللئلاء (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ) قانتين في سجود وقيام ، عائشين بين الخوف والرجاء على الدوام ، (وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) المضلون عن سبيل الله؟
فالعلم المخرج عن الإستواء هو المعرفة بالله وتحقيق مرضاة الله ، مهما جهل مختلف الصّلاحات من علم الظاهر او علم : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) (٣٠ : ٧).
فربّ عالم لا عقل له ولا معرفة ، وأعلمهم إبليس اللعين ، وليست الرفعة في ميزان الله إلّا للإيمان ومعرفة الإيمان : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) (٥٨ : ١١) فالأصل هو الإيمان ، والمعرفة هي سبيل الإيمان.
هنا (الَّذِينَ آمَنُوا) و (الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) و (أُولُوا الْأَلْبابِ) فهل الأولون والآخرون سواء ، في اللّاسواء بينهم وبين (الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)؟ أمّاذا؟