فلما ذا يخاف عبد الله ومن ذا يخاف وهو في سبيله إلى الله؟ فقد انقطع الأمل عن سواه وانقطع الخوف والجدل ، إذ ليس له بدل إلا جنابه المتعال ، فهو كاف عبده ، وهو الرقيب على عبده ، وهو الوكيل لعبده ، وهذه هي الطمأنينة دون خيفة ، والثقة دون زعزعة ، والمضي في سبيل الله حتى النهاية دونما تخلف قيد شعرة.
ولفظة غير ذوي العقول «ما» وضمير الجمع المؤنث الراجع إليه «هن» تعريضان بأن ما يدعى من دون الله لا يعقل ، وهو في الأصنام والأوثان مشهود ، وفي الطواغيت معهود ، حيث الطغيان على الله خلاف العقل ، ثم في الملائكة والنبيين مردود ، فإنهم لا يتقبلون أن يعبدوا من دون الله ، فكأنهم لا يعقلون عبادتهم إذ هم ناكرون! هم كانوا يخوّفون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بمن دون الله ، وهو يخوّفهم ونفسه بالله (إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ ...)؟ ثم يرسلهم إلى مكانتهم أن يعملوا على حدها هذه:
(قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٩) مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ)(٤٠).
«اعملوا» ضدي وخلاف ما أوحي إلي وأرسلت به إليكم (عَلى مَكانَتِكُمْ) : منزلتكم وإمكانيتكم (١).
«اعملوا ...» ف (إِنِّي عامِلٌ) على مكانتي ، معاركة صاخبة كل على مكانته ، رغم أني وحدي وأنتم كثرة ، أنتم لكم أموال وليست لي أموال ... (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) عين اليقين ، وليس بعد الموت فحسب بل وفي الدنيا (مَنْ يَأْتِيهِ) منا (عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) هو عليه لزام دون فكاك.
__________________
(١) المكانة هي المنزلة وهي الإمكانية ، وكلما كانت المنزلة أقوى فالإمكانية أوسع ، فهذا تحدّ ذو بعدين أن كرّسوا إمكانياتكم على مستوى منزلتكم علما ومالا وقوة أمّاذا.