لذلك العصر وبالنسبة للأوضاع السائدة فى الصين آنذاك. وقد اجتذبت منذ القرن السابع أنظار المستشرق غوليوس ، كما يبدو ذلك فى تعليقاته على رسالة الفرغانى (٢١١) ؛ وكانت معرفة العلماء بالجغرافيا العربية آنذاك فى مستوى جعل الشك وعدم التصديق يحيطان بالرواية إلى ما بعد قرن من ذلك التاريخ ؛ ولكن لم يلبث أن وكد صحتها رينو (٢١٢) وترجمها فيران فى القرن العشرين ترجمة علمية ضمنها صفحات مؤلفه عن الشرق الأقصى (٢١٣). ولقد صاغ صاحب «الفهرست» قصة الراهب النجرانى بألفاظ عادت بالغرم عليه هو نفسه ، فقد حدث أن ناشر «الفهرست» وهو المستشرق فليجل Flügel قد أخذ خطأ «دار الروم» ، وهو أحد أحياء بغداد ، على أنه عاصمة الدولة البيزنطية وبنى على أساس هذا نظرية واهية مؤداها أن ابن النديم زار القسطنطينية عام ٩٨٧ والتقى بالراهب النجرانى قريبا من آيا صوفيا. وقد كشف عن هذا الخطأ فى بحث مفصل المستعرب الروسى روزن (٢١٤) ، ولكنه لا يزال مع الأسف الشديد يتسلل من آونة لأخرى إلى العلم الأوروبى إلى أيامنا هذه (٢١٥).
لقد كان القرن التاسع فاتحة عهد جديد فى تاريخ الأدب الجغرافى العربى ، ليس فقط لأن عددا من الأنماط الجديدة قد رأى النور لأول مرة بل أيضا لظهور رسائل ذات طابع عام وصلت إلينا فى صيغ مختلفة. وبمقدورنا الحكم على تلك المصنفات لا من مجرد ذكر عناوينها أو من المقتطفات التى حفظت لنا منها فى آثار متأخرة بل من أصولها الأولى التى ربما وجدت فى روايات ترجع إلى فترة تتلو بكثير تاريخ تأليفها.