إذ يبدو أنه وضع مصنفا بعنوان «الخطط» (٧٢) لم يصل إلينا ، كما أن ابنه عمر بن محمد الكندى وضع رسالة بعنوان «فضائل مصر» (٧٣) سار فيها على نمط النهج القديم للمؤلفين الأوائل من العصر الأموى ؛ وفى الوقت نفسه جمع مؤرخ العهد الفاطمى ابن زولاق (توفى عام ٣٨٧ ه ـ ٩٩٧) (٧٤) مجموعة من الفضائل من هذا النوع اعتمادا على الأحاديث النبوية ؛ وهو أيضا ممن اهتموا بخطط مصر. هذا وقد استمرت الرواية الأدبية فى مصر متواترة أكثر مما فى غيرها من البلاد العربية الأخرى لذا فإن جميع الأنماط الأدبية التى تميزت ولو بقليل من الحيوية وجدت من يتممها ويسير فيها من رجالات الأجيال التالية. وفى القرن الحادى عشر وضع المؤرخ المعروف القضاعى (توفى عام ٤٥٤ ه ـ ١٠٦٢) (٧٥) مصنفه «المختار فى ذكر الخطط والآثار» ، وهو مصنف اجتذب أيضا أنظار ياقوت والمقريزى مرات عديدة. وفى القرن الثانى عشر وضع أبو الصلت أمية بن عبد العزيز (المتوفى عام ٥٢٩ ه ـ ١١٣٤) (٧٦) ، وهو طبيب وشاعر وفلكى وعالم بالطبيعيات أصله من الأندلس ، كتابا بعنوان «الرسالة المصرية» قدم فيه من ناحية تراجم لسير المشاهير ومن ناحية أخرى وصفا طوبوغرافيا ؛ وهو معروف بدوره جيدا للمؤلفين اللذين مر ذكرهما.
هذا وقد شقت الجغرافيا الإقليمية لنفسها طريقا إلى المغرب ، ويمكن أن نشير فى خلال القرن العاشر إلى محمد بن يوسف الوراق (توفى عام ٣٦٣ ه ـ ٩٧٣) الذى عاش فى القيروان وقرطبة وأفرد لوصف المغرب كتابا يحمل العنوان المعهود لنا «كتاب المسالك والممالك» (٧٧). ولم يصلنا هذا الكتاب ولكن البكرى يدين له لا بعنوان كتابه فحسب بل بمقتطفات عديدة كما يتضح ذلك من نقوله عنه (٧٨). وأول من أدخل نمط الجغرافيا الإقليمية إلى الأندلس مؤرخها الكبير أحمد بن محمد الرازى التاريخى (توفى عام ٣٤٤ ه ـ ٩٥٥) (٧٩) المشهور فى أوروبا باسم Elmore Elrasis ، والذى حفظ لنا مصنفه التاريخى فى ترجمة قشتيلية ترجع إلى عهد متأخر ونقلت بدورها عن ترجمة برتغالية مفقودة (١). وتشير جميع المصادر إلى أنه وضع كتابا كبيرا فى طرق الأندلس ومرافئها ومدنها الكبرى والأجناد العربية الستة التى نزلتها بعد الفتح. وبالرغم من أن استعمال مصنف مر بترجمتين أمر معقد فإن كتاب الرازى مصدر هام جدا لمعرفة الأحوال الجغرافية فى الأندلس على عهد عبد الرحمن الثالث ، أى عهد ازدهار خلافة قرطبة (٨٠). ويبدو أنه وضع أيضا مصنفا خاصا بقرطبة هو «كتاب فى وصف قرطبة» على طراز كتاب ابن طيفور فى وصف بغداد ؛ وترد فيه تفصيلات عن شوارعها وقصور الأعيان بها (٨١).
__________________
(*) عثر على الترجمة البرتغالية وتم نشرها منذ وقت غير بعيد ، كما تم العثور على شذور من كتاب الرازى لدى بعض المؤلفين المغاربة. راجع عن حياة الرازى مادة الرازى فى دائرة المعارف الإسلامية بقلم ليقى بروقنسال ، واستدرك عليها بالرجوع إلى كتاب الدكتور حسين مؤنس «فجر الأندلس» ، (ص ٥٦١ وما يليها ، القاهرة ١٩٥٩) ، ومقال الدكتور لطفى عبد البديع الذى ظهر بمجلة معهد المخطوطات العربية ، الجزء الثانى من المجلد الأول ص ٢٧٢ وما يليها ، القاهرة ١٩٥٥.
وأخيرا وليس آخرا المقال الوافى للدكتور حسين مؤنس بعنوان «الجغرافية والجغرافيون فى الأندلس من البداية إلى الحجارى» (صحيفة معهد الدراسات الإسلامية بمدريد ١٩٥٩ ـ ١٩٦٠). (المترجم)