غير بعيد ببرلين المستشرق السويدى لوفجرين Lo؟fgren ؛ وعثر على الجزء التاسع بمكتبة البارودى ببيروت (٨٦). وهكذا لم يعد ثمة مجال فى الوقت الحاضر لتلك الفروض المتشائمة من جانب درنبورج Derenbourg الذى أصر على أن المؤلف لم يتمم من الكتاب سوى الجزئين الثامن والعاشر فقط (٨٧). أما فيما يتعلق بالكشف عن الأجزاء الباقية فقد راجت إشاعة قوية عن وجود نسخة كاملة بمكتبة الإمام بصنعاء (٨٨) وأجزاء متفرقة باستنبول (٨٩) وفى جنوب الجزيرة العربية (٩٠) بل وفى أماكن نائية مثل جاوه (٩١).
ولا شك أنه قد اتضح مما اقتبسناه عن الهمدانى فيما مر من هذا الكتاب أن «وصف جزيرة العرب» لا يمكن ضمه بأية حال إلى ذلك النوع من المؤلفات الجغرافية اللغوية المفردة لجزيرة العرب والتى سبق وعالجنا الكلام عليها فيما مر من الكتاب. والهمدانى كان بلا شك على علم تام بالمادة الجغرافية اللغوية التى عرفها المؤلفون السابقون له فى القرن التاسع ، كما كان أيضا على معرفة تامة بالجغرافيا الفلكية الرياضية ؛ ويمكن تتبع كلا الاتجاهين بوضوح فى كتابه. ومن المستحيل بالطبع القول بأنه وفق فى المزج بينهما فى وحدة تامة منسجمة ، كما من العسير أيضا القول بأن الهمدانى قد نفذ خطته الأولى بحذافيرها. ومن الواضح أن وصفه لليمن يعتمد على الملاحظة الشخصية مع الإفادة بالطبع من المادة الأدبية التى خلفها السابقون ؛ أما وصف بقية الجزيرة العربية فيعتمد فيه أساسا على الرحالة والحجاج الذاهبين إلى مكة كما يعتمد أيضا بدرجة كبيرة على مادة الجغرافيين اللغويين المتخصصين فى جزيرة العرب ؛ بل إنه قد يسوق أحيانا شواهد من مصادر غير معروفة لغيره من المؤلفين.
وللهمدانى معرفة جيدة ببطلميوس ، وهو يبدأ كتابه بمقدمة رياضية جغرافية وافية يورد فيها ذكر المذاهب المختلفة لتحديد الأطوال والعروض كما يورد فيها أيضا وصفا عاما لمناطق الأرض بحسب توزيعها على الأقاليم السبعة. أما القسم الأساسى من كتابه فقد كرسه لوصف جزيرة العرب ، وهو ينقسم إلى خمسة أبواب رئيسية فى وصف تهامة والحجاز ونجد والعروض واليمن. ووصفه بالطبع لا يسير دواما على نسق واحد أو يتبع خطة محددة فهو يكثر من إعادة الكلام على المناطق التى ذكرها من قبل. وبينما تحتل اليمن مكان الصدارة فى كتابه نجد حضرموت لا تظفر منه إلا بالإشارة الطفيفة والذكر العابر ؛ وبصدد اليمن نراه يفصل فى الكلام على مساكن قبيلته همدان. وهو يكشف دائما عن معرفة لا تجارى بالآثار والنقوش القديمة التى حاول أحيانا أن يفك رموزها ؛ كما تبدو جلية للعيان معرفته الجيدة بالرواية السماعية والأدبية فهو مثلا يعرف جيدا تقسيم اليمن قبل الإسلام إلى «مخاليف» (جمع «مخلاف» أى ناحية). وفى خلال كلامه عن اليمن يعود القهقرى من وقت لآخر إلى ذكر حقائق ذات طابع تكميلى عن شمال الجزيرة العربية ولكنه على أية حال يختتم كلامه باليمن ويفرد قسما خاصا لذكر عجائبها أو على