كان زيبولدSeybold هو أول من أورد ذكرها فى الأدب العلمى الأوروبى (٧٩) ، ثم عكف على دراستها ميلرMiller (٨٠) وتوليوTuulio (٨١) حينا ما وسار على نهجهما بعض العلماء السوفيت مثل قولين Volin (٨٢)وبترون Petrun (٨٣). ورغما عن ذلك فإنها لا تزال فى حاجة ماسة إلى بحث خاص لما لها من أهمية. ويبدو أن الأمل فى العثور على نسخ من كتاب لإدريسى لا يزال يراود الكثيرين حتى الآونة الأخيرة ، فمنذ خمسة أعوام تقريبا تواترت الأنباء بالكشف عن مخطوطة له فى شومين Shumen ببلغاريا (٨٤) ، إلا أن تقصى صحة هذا الزعم لم يتم مع الأسف. كذلك يحتاج إلى التقصى والتحقيق الزعم القائل بوجود كتاب الإدريسى فى إحدى مجموعات المخطوطات بمدينة الموصل (٨٥) ، ولعل الأمر كله يدور حول الطبعة القديمة التى عملت برومه كما حدث ذلك أكثر من مرة فيما يتعلق بفهارس مكتبات استنبول.
وعلى الرغم من العدد الكبير لمخطوطات الكتاب فإن من العسير القول بأن دراسة مؤلف الإدريسى بتمامه قد بلغت الدرجة المنشودة من الكمال ؛ والطبعة الوحيدة التى نشمل أصل الكتاب طبعت عام ١٥٩٢ بمطبعة المديتشى Medici المشهورة برومه تحت عنوان مطول هو «نزهة المشتاق فى ذكر الأمصار والأقطار والبلدان والجزر والمدائن والآفاق» (٨٦). وقد أصبحت هذه الطبعة نادرة الوجود وهى تمثل واحدة من أقدم الطبعات التى ظهرت فى أوروبا بالحروف العربية ، هذا بجانب أنها لا تقدم كتاب الإدريسى فى صورة مرضية لأنها تمثل رواية موجزة إيجازا مخلّا يرجع تاريخها إلى فترة متأخرة وعملت بنابلس من أعمال فلسطين فى عام ٩٤٤ ه ـ ١٥٣٨ وأصلها محفوظ بباريس (٨٧). وبنفس الصورة تمثل أهمية تاريخية فحسب تلك الترجمة اللاتينية لهذه الطبعة التى ظهرت بباريس عام ١٦١٩ والتى قام بها عالمان مارونيان Maronites كانا يشتغلان بتدريس اللغات الشرقية وهما يوحنا الخسرونى Joannes Hesronita وجبريل الصهيونى Grabriel Sionita (٨٨). وهى تحمل عنوان «جغرافيا النوبى» Geographia Nubiensis ، وهى تسمية قادت إلى تثبيت خطأ فاحش بصدد المؤلف استمر لمدة قرنين فى الدوائر العملية الأوروبية. ذلك أنه بسبب جهلهما باسم المؤلف فقد قرر المترجمان أنه نوبى الأصل ، لأنه فى الموضع الذى يرد فيه الكلام عن أن النيل يقطع أرض النوبة قرأ المترجمان «أرضنا» بدلا من «أرضها» (٨٩) ، أى أرض النوبة. أما الترجمة الكاملة لمتن الإدريسى فقد ظل العلم الأوروبى فى انتظارها إلى منتصف القرن التاسع عشر حينما ظهرت باللغة الفرنسية فى جزئين (١٨٣٦ ـ ١٨٤٠) بقلم جوبيرJoubert (١٧٧٩ ـ ١٨٤٧) ، وهو أحد العلماء الذين اشتركوا فى حملة بونابرت على مصر. هذه الترجمة التى صيغت فى لغة فرنسية رصينة واعتمدت على المخطوطة الباريسية (وهى ليست أفضل المخطوطات) ظفرت فى أول الأمر بتقدير عال ولكن عكوف العلماء بالتالى على دراسة الإدريسى سرعان ما كشف عن عيوبها الأساسية بحيث لم تعد ترضى المطالب العلمية. وقد قام دوزى ودى خويه (٩٠) بتحليل مفصل للأخطاء الجسيمة الموجودة بها ، ومنذ ذلك الحين أعلن عدد من العلماء بأنه ليس من المستطاع الركون إليها فى أى بحث جدى (٩١).