الخلافة ومتى كنت بين المسلمين عمل ملوكهم على قتلك ومتى كنت عندى أمنت على نفسك. فأجابه إلى ذلك ورتب له كفاية لا تكون إلا للملوك. وكان يجىء إليه راكبا بغلة فإذا صار عنده تنحى له عن مجلسه فيأبى فيجلسان معا ـ فقال له أريد تحقيق أخبار البلاد بالمعاينة لا بما ينقل من الكتب فوقع اختيارهما على أناس ألباء فطناء أذكياء وجهزهم رجار إلى أقاليم الشرق والغرب جنوبا وشمالا وسفر معهم قوما مصورين ليصوروا ما يشاهدونه عيانا وأمرهم بالتقصى والاستيعاب لما لا بد من معرفته. فكان إذا حضر أحد منهم بشكل أثبته الشريف الإدريسى حتى تكامل له ما أراد وجعله مصنفا وهو كتاب نزهة المشتاق الذى للشريف الإدريسى». (٧٢)
وروجر وقد عاش على الحد الفاصل بين الحضارتين العالميتين لذلك العصر كان عل معرفة جيدة بالاثنتين ، وتكليفه لعالم عربى بالذات بوضع وصف للعالم المعروف آنذاك لدليل ساطع على تفوق الحضارة العربية فى ذلك العهد وعلى اعتراف الجميع بهذا التفوق. وقد كان بلاط النورمان بصقلية نصف شرقى ، هذا إذا لم يكن أكثر من النصف ؛ وتشهد على هذا مختلف المصادر بما فى ذلك الأشعار العربية التى كانت تنشد فى صقلية فى عهد روجر (٧٣) ؛ ولم يكن الأدريسى هو الوحيد الذى مجد من شأن روجر. ورغبة روجر فى الحصول على مصور للعالم يعمل خاصة من أجله تنعكس فيها نزعة شرقية صرفة. وإذا ما صرفنا النظر عن المحاولات الموغلة فى القدم للإسكندر وملوك إيران فى هذا الشأن فإننا نذكر بلا ريب أنه قد مرت بنا فى هذا الكتاب محاولتان شبيهتان بهذه. ولا شك أن اهتمام المأمون بالجغرافيا (٧٤) ، وعلى الأخص بعمل «الخارطة المأمونية» إنما يرجع فى الأصل إلى رغبته فى تكوين فكرة عن العالم الخاضع لسلطانه. ونفس هذه الفكرة قد طبقتها المدرسة الكلاسيكية على دولة السامانيين (٧٥).
يفهم من افتتاحية الإدريسى وكلام الصفدى أن العمل فى الكتاب قد مر بثلاثة أطوار وخلف وراءه ثلاثة آثار ـ أحدها أنموذج فريد فى نوعه للكرة السماوية وهو عبارة عن قرص من الفضة مرسوم عليه صورة العالم ؛ وثانيها خارطة مرسومة على الورق ، وثالثها كتاب خاص مبينة فيه الأسماء الجغرافية. وقد ثبت أن أقلها دواما ومقاومة لطوارق الحدثان كانت الكرة الفضية التى يقال بأن الثوار حطموها ونهبوها عند اقتحامهم لقصر روجر فى عهد خلفه سنة ١١٦٠ (٧٦). ومن حسن الحظ أن الكتاب والخارطة قد حفظا لنا فى مخطوطات عديدة ولكنها بالتأكيد ليست معاصرة للمؤلف بأى حال من الأحوال ، كما وأنها ليست كاملة دائما. بل إنه توجد إلى جانب ذلك مسودات مختلفة لهما ، ولكن على الرغم من ذلك تمكّن فى مجموعها من بناء متن الكتاب والأطلس معا. وقد بلغ عدد المخطوطات حاليا حدا كبيرا ، فإلى جانب المخطوطتين المعروفتين منذ النصف الأول للقرن التاسع عشر وهما مخطوطتا باريس وأكسفورد ، تنضم فى أوائل هذا القرن مخطوطات استنبول ومخطوطة القاهرة (٧٧). أما مخطوطة ليننغراد التى تحتوى على القسم الثانى من الكتاب وحده ، والتى وصلت إلى المكتبة العامة من إيران فى عام ١٨٩٧ (٧٨) فقد