الموافق لشهر شوال الكائن فى سنة ثمان وأربعين وخمسمائة فامتثل فيه الأمر وارتسم الرسم» (٧٠).
فإذا غضضنا الطرف عن المحسنات البديعية فى المقدمة فإنه لا يوجد ما يدعو إلى التشكك فى صحة الوقائع التى يوردها. حقا إن المصادر الغربية لا تتحدث عن نشاط خاص لروجر فى ميدان الجغرافيا غير أن كلام الإدريسى يحمل جميع مقومات الصحة والواقع ، خاصة على ضوء ظروف الحياة الثقافية بصقلية فى ذلك العهد. كما لا يوجد ما يدعو إلى التشكك فى تاريخ إتمام الكتاب وهو يناير ١١٥٤ ، أى قبل أسابيع من وفاة روجر. ومعلوم أن الملك النورمانى كان فى أيامه الأخيرة فريسة لمرض عضال لا يرجى الشفاء منه ، ولعل الرغبة فى أن يرى الكتاب الذى ترجع فكرة ظهوره إليه تاما كاملا قبل أن يغادر الحياة تفسر طابع العجلة الذى اتسم به مؤلف الإدريسى فى أكثر من موضع خاصة فى القسم الثانى منه. وليس اعتباطا أن يذكر أن روجر شغل بالموضوعات الجغرافية زهاء خمسة عشر عاما ، إذ لو أخرجنا هذا الرقم من تاريخ إتمام الكتاب فإننا نحصل على عام ١١٣٩ ؛ ومعلوم لدينا من المصادر الغربية أنه عقب صلح سان جرمانوSan Germano ، وفى الخامس والعشرين من يوليو بالذات من ذلك العام ، أنهى روجر بنجاح حروبه الطويلة واستطاع أن يمكّن لسلطانه فى صقلية وجنوبى إيطاليا (٧١) ومن ثم فيمكنه حينئذ أن يشغل نفسه بنشاط سلمى.
ويمكن أن نلاحظ بعض التناقض فى مخطوطات الكتاب المختلفة ـ ولعل مرد ذلك إلى أن المؤلف قد ترك مسودات عديدة للكتاب ـ حول الدور الذى لعبه الإدريسى نفسه فى وضع الكتاب إذ يدور الكلام فيه بضمير الغائب ؛ غير أن العنوان قد ينسب إليه أحيانا وليس إلى روجر. هذا ولا يرقى الشك إلى أنه مؤلف هذا الكتاب ؛ ولعله مما يكمل الفائدة التى جنيناها من افتتاحيته لو أضفنا إلى ذلك رواية لمؤلف مشهور من أهل القرن الرابع عشر وهو الصفدى (توفى عام ٧٦٤ ه ـ ١٣٦٣) الذى لم يقف عند حد الإفادة من تلك الافتتاحية بل ضم إليها مواد أخرى كما يتبين من بعض الحكايات التى يسوقها. قال :
«رجّار ملك من الفرنج صاحب صقلية هلك بالخوانيق سنة ثمان وأربعين وخمسمائة. ويقال فيه أجّار بهمزة بدل الراء وجيم مشددة وبعد الألف راء ـ كان فيه محبة لأهل العلوم الفلسفية. وهو الذى استقدم الشريف الإدريسى صاحب كتاب نزهة المشتاق فى اختراق الآفاق ، من العدوة إليه ليضع له شيئا فى شكل صورة العالم. فلما وصل إليه أكرم نزله وبالغ فى تعظيمه. فطلب منه شيئا من المعدن ليدع منه ما يريد ، فحمل إليه من الفضة الحجر وزن أربعمائة ألف درهم فصنع منها دوائر كهيئة الأفلاك وركب بعضا على بعض ثم شكلها له على الوضع المخصوص. فأعجب بها رجّار ودخل فى ذلك ثلث الفضة وأرجح بقليل وفضل له ما يقارب الثلثين فتركها له إجازة وأضاف لذلك مائة ألف درهم ومركبا مساقا كان قد جاء إليه من برشلونة بأنواع الأجلاب الرومية التى تجلب للملوك ـ وسأله المقام عنده وقال له أنت من بيت