معروفا فى الشرق لمدة طويلة فحاجى خليفة يورد لنا تحليلا موجزا لمحتوياته يعتمد فى أغلب الظن على رأى العين de visu)) (٦)
وهو ينقسم إلى ثلاث «مقالات» رئيسية يدور الكلام فى الأولى منها على تركيب الأفلاك وحركاتها ، وتعالج المقالة الثانية الكلام على شكل الأرض وتقسيمها إلى معمور وغير معمور وتحديد المواقع الجغرافية بحسب خطوط الطول والعرض ؛ أما الثالثة فتبحث فى التقاويم المختلفة وأشكال المجموعات النجمية (٧). وللفصل الثانى من المقالة الثانية الذى يعالج الكلام على البحار أهمية خاصة بالنسبة للجغرافيا الوصفية ، وهو معروف بأكمله فى طبعة مستقلة وترجمة لاتينية بقلم نالينو (٨). وينضم هذا الفصل بطبيعته إلى ذلك التراث من الجغرافيا الفلكية الذى مر بنا فى أحد الفصول السابقة وذلك أثناء إيراد ترجمة قطعة البتانى ؛ غير أن رسالة الخرقى لا تتفق معها تمام الاتفاق. ولا يخلو من طرافة أن نلاحظ أن الخرقى ينقل عددا من رواياته عن الجيهانى بل يبدأ الفصل المشار إليه بالرجوع إليه (٩).
والخرقى فى الواقع عالم نقالة وليس ببحاثة. ولا يخلو من مغزى فى هذا الصدد أنه أفرد فصلا «لقبة الأرض» (١٠) ؛ وقد لاحظ بارتولد فى حالات معينة صلته الوثيقة ببطلميوس (١١). أما آراؤه فى الفلك فهى استمرار لنظريات الخازم من القرن العاشر وابن الهيثم من القرن الحادى. عشر ونظرا لأن الأخيرين قد عرفا فى أوروبا الوسيطة فقد ورد ذكر مصنف الخرقى فى الرسائل اللاتينية القديمة (١٢). أما مصنفه الثانى الذى لا يقل انتشارا عن الأول ، وذلك إذا بنينا حكمنا على عدد المخطوطات المعروفة لنا منه ، فيحمل عنوان «التبصير فى علم الهيئة» وهو يرتبط بالمصنف الأول ارتباطا وثيقا وأشبه ما يكون بمقتطفات منه ولكنها تقتصر على الجانب الفلكى فقط مع إهمال الأجزاء المتعلقة بالجغرافيا الوصفية مثل الفصل الذى مر بنا ذكره عن البحار والذى يمكن أخذ فكرة عنه من ترجمة فيدمان لمقدمتى المقالتين الأولى (١٣) والثانية (١٤). أما بالنسبة لتطور الأدب الجغرافى فإن هذا المصنف الأخبر أقل مساسا بالتأكيد بموضوع دراستنا من «منتهى الإدراك»
وإلى خيوه ينتسب أيضا معاصر للخرقى هو الأديب العالم المشهور أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشرى (٤٦٧ ه ـ ٥٣٨ ه ـ ١٠٧٥ ـ ١١٤٤) (١٥) ، وسنقصر كلامنا على معجمه الجغرافى فقط وإن كان لا يمثل أهمية ذات بال بالنسبة لشخصيته العامة. أما مكانته فى الثقافة الإسلامية فتعتمد على شهرته كمفسر ممتاز على مذهب المعتزلة وكنحوى ولغوى ومؤلف لعدد من المصنفات الأدبية فى النثر الفنى. وقد ولد وتوفى بخوارزم ، وبالرغم من أن إحدى ساقيه كانت خشبية فقد عرف بأسفاره الواسعة وأمضى أعواما طويلة بمكة حتى لقب «جار الله» ؛ وقد رأى ابن بطوطة قبره بالجرجانية (١٦). وهو يمثل من ناحية تفكيره أنموذجا طريفا وفريدا لمؤلف نشط فى مجال الحضارة العربية بينما يرجع نسبه إلى أصل غير عربى ؛ بل إنه يؤكد على الدوام فى مقدمات كتبه قيمة اللغة العربية كأداة لتلك الحضارة.