واسم ياقوت يشير إلى أنه كان فى الأصل عبدا رقيقا ؛ وقد جرت العادة بتسمية الأرقاء بأسماء الحجارة الكريمة والطيب كزمرد وكافور الخ. وقد حاول ياقوت فيما بعد استبدال اسمه باسم مقارب له فى اللفظ وهو يعقوب ولكن ثبت عليه ، سواء بين معاصريه أو لدى الأجيال التالية أو فى الدوائر العلمية ، ذلك الاسم الذى كان يطلق عادة كما ذكرنا على الأرقاء. أما نسبته وهى الرومى فدليل على أن أصله من بلاد الدولة البيزنطية وربما كان إغريقى الجنس. ونظرا لأن أباه كان غير معروف فقد تسمى بابن عبد الله كما جرت العادة فى مثل هذه الأحوال. وجميع هذه الأسامى كانت واسعة الانتشار وتسمى بها عدد كبير من الموالى من أصل رومى ؛ وياقوت نفسه يذكر فى معجمه الأدبى اثنين من معاصريه كانا يشاركانه اسمه مشاركة تامة ، أحدهما أبو الدرياقوت بن عبد الله الرومى الذى عرف كشاعر وأديب وتوفى عام ٦٢٢ ه ـ ١٢٢٥ (١٩) ، الآخر ياقوت بن عبد الله الرومى الذى عاش بالموصل واشتهر لا كأديب ونحوى فحسب بل وكخطاط أيضا من مدرسة ابن البواب المشهور ؛ وقد قابله مؤلفنا بالموصل عام ٦١٣ ه ـ ١٢١٦ وتوفى بعد خمسة أعوام من ذلك فى عام ٦١٨ ه ـ ١٢٢١ (٢٠).
ويعرف ياقوت أيضا باسم الحموى نسبة إلى التاجر الذى اشتراه وهو غلام ، وكان من أهل حماة. وإجماع الآراء أن ياقوت ولد عام ٥٧٥ ه ـ ١١٧٩ ، ولم يكن يفهم لغته الأصلية أو على الأقل لم يجدها ؛ وقد أصبحت العربية لغته القومية ولكن يلوح أنه بالنسبة لأصله الأجنبى فإنه لم يبلغ درجة عالية من الفصاحة فيها ، ولو أن الذى لاحظ ذلك علامة متعسف كفليشرFleischer (٢١) ؛ ولعله ليس من قبيل الصدفة أن نثره الفنى لم يبلغ درجة عالية من البلاغة أيضا (٢٢).
وعلى أية حال فقد نال ياقوت تعليما إسلاميا جيدا ، شأنه فى هذا شأن الأرقاء من الروم الذين التقينا بهم من وقت لآخر على صفحات هذا الكتاب. وقد جهد سيده الذى لم ينل حظا وافرا من التعليم فى أن يوفر له هذا ، وكان تاجرا على سعة من العيش اضطرته مصالحه إلى الإقامة ببغداد فأراد أن يتخذ لنفسه كاتبا ماهرا يساعده فى أعماله التجارية. ويذكر لنا ياقوت من بين أساتذته اللغويين المشهورين العكبرى (توفى عام ٦١٦ ه ـ ١٢١٩) وابن يعيش (توفى عام ٦٤٣ ه ـ ١٢٤٥) (٢٣) وكثيرا ما اصطحبه سيده فى أسفاره التجارية وبعث به أحيانا بمفرده. ومن أكثر الأسفار التى تركت أثرا فى نفسه فى ذلك العهد رحلاته العديدة إلى جزيرة كيش التى ساعدت كثيرا فى توسيع أفقه الجغرافى. وجزيرة كيش أو كيس (وفى شكلها المعرّب قيس) تقع فى ذلك الجزء من خليج فارس الذى أسمته العرب بحر عمان ، وكانت لعهد ياقوت مركزا من مراكز التجارة الخارجية للعالم الإسلامى تجمع فيها ممثلو مختلف الأقطار والشعوب ؛ وكانت الجزيرة غنية بالنخيل وغيره من الأشجار وأنواع النبات. وقبل ياقوت بقليل ، وذلك فى النصف الثانى من القرن الثانى عشر زارها رحالة آخر هو بنيامين التّطيلى Benjamin of Tudela وامتدحها كثيرا. وبعد مائة عام من ذلك ، أى فى النصف الثانى من القرن الثالث عشر ، زارها ماركوبولوMarco Polo