بجغرافيا فلسطين إلا أنها ذات أهمية خاصة بصفتها تساعد فى تكوين فكرة جلية عن مناهج أولئك المؤلفين. وهذه الترجمات مصحوبة بمعلومات موجزة عن حياة المؤلفين وكتبهم ، كما وأن المؤلف أفرد جزءا خاصا لتحليل المادة الجغرافية عن فلسطين ، مما يمكن أن يكون له أهمية فيما يتعلق بالاستقراءات العامة فى ميدان الجغرافيا العربية. وفى مقدمة كتابه المشهور عن تركستان (١٩٠٠ و ١٩٢٨) ، وذلك عند فحصه للمصادر العربية ، يقدم لنا بارتولد تحليلا عميقا لعدد كبير من الجغرافيين العرب.
وكان المستعربون الروس يبدأون فى العادة معرفنهم بالنصوص الأصلية للمصنفات الجغرافية العربية من كتاب «المختارات العربية» Arabskia Khrestomatia للمستشرقين جرجاس V.F.Girgas وروزن V.R.Rosen (١٨٧٥ ـ ١٨٧٦) وهى مأخوذة من مصنفات خمسة مؤلفين من القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر. والمعجم الموجود فى آخرها يجعل من هذه المختارات إلى أيامنا هذه كتابا دراسيا مفيدا حتى فيما يتعلق بالجغرافيا العربية.
بهذا ينتهى عرضنا العام للدراسات الأساسية فى ميدان الأدب الجغرافى العربى ، سواء فى الغرب أو بين ظهرانينا. وهو إن دل على شىء فإنما يدل على أن هذا الفرع من العلم يتمتع حاليا بكثير من العناية ليس فقط من جانب المستعربين أو المستشرقين عامة بل وأيضا من جانب الجغرافيين ومؤرخى العلم بالمعنى الواسع لهذا اللفظ.
ولقد يبدو أن وضع مؤلف جامع فى تاريخ الأدب الجغرافى العربى أمر يسير ، غير أن الدخول فى محاولة مماثلة تكتنفه صعوبات عديدة. والدليل على ذلك أن آخر عرض واسع للموضوع يرجع إلى عام ١٨٤٨ وأنه منذ ذلك التاريخ لم تظهر سوى موجزات قصيرة تأخذ فى العادة شكل مقالات. ويرجع هذا بالطبع إلى أسباب عديدة يتعلق بعضها بالمادة الموجودة تحت تصرف الباحثين ؛ فعدد كبير من الآثار معروف لدينا من عناوينه فقط ولم يكشف عنه إلى الآن. ويكفى أن نشير فى هذا الصدد إلى أن كتاب أبى زيد البلخى (المتوفى عام ٩٣٤) ، وهو يمثل أول حلقة فى سلسلة مصنفات المدرسة ، الكلاسيكية للجغرافيين العرب ، لم يعثر على أصله إلى الآن ؛ كذلك لم يعثر على أصل كتاب الجيهانى فى مجلدات عديدة وهو ينتمى إلى نفس العهد وأفاد منه كثيرا المؤلفون المتأخرون. أضف إلى هذا أن عددا من المؤلفات الجغرافية لا يزال ينتظر النشر ولا يزال بعيدا عن متناول أيدى البحاثين. وقد كتب شوى منذ عام ١٩٢٤ يقول إنه من المستحيل كتابة تاريخ الجغرافيا الفلكية عند العرب نظرا لأن عددا من المؤلفات لا يزال قابعا إلى الآن بين مخطوطات مكتبات لم تفحص بعد. ونفس هذا الحكم يصدق على الجغرافيا الوصفية فأخبار ابن فضلان مثلا عن رحلته إلى الروس (٩٢١ ـ ٩٢٢) لم تتداولها الأيدى إلا فى الآونة الأخيرة على الرغم من أن قطعا منها كانت موضوعا للدراسة منذ أكثر من مائة عام. ويدفع ظهور مواد جديدة إلى إعادة فحص عدد من المسائل التى كانت تبدو إلى عهد قريب كأنها استوعبت