أخ المؤرخ المشهور وكان مقيما آنذاك بالموصل (توفى فى عام ٦٣٧ ه ـ ١٢٣٩) (٤٠). ولا شك أن القزوينى درس الفقه لأنه تولى منصب القضاء بمدينتى واسط والحلة بالعراق. ومن العسير القول ما إذا بقى فى وظيفته هذه أم تركها عقب استيلاء هولاكو على بغداد ولكن من المؤكد أنه استطاع أن يتابع دراساته العلمية ؛ وقد توفى بعد ذلك بأمد طويل وهو فى سن متقدمة وذلك فى عام ٦٨٢ ه ـ ١٢٨٣.
ويرجع السبب فى شهرة القزوينى إلى أثرين قد يخلط الناس بينهما أحيانا فى مؤلف واحد ولكنهما مرتبطان على أية حال ببعضهما البعض ارتباطا وثيقا. أما الكتاب الأول فيمكن أن نطلق عليه من باب التجاوز اسم «كوزموغرافيا» (١) وأما الثانى فهو مصنفه الجغرافى ؛ وكلاهما يتمتع بانتشار واسع أضاف إلى تعقيد المشكلة المتعلقة بمسودة الكتابين. ويحمل مصنفه فى الكوزموغرافيا عادة اسم «عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات» وقد رفعه مؤلفه إلى حاكم بغداد فى عهد المغول عطا ملك الجوينى (٤١) الذى سنلتقى به بعد قليل كعلامة أيضا ؛ وكل هذا يشير إلى أن القزوينى قد بذل جهده فى أن يكيف حياته وفقا للأوضاع الجديدة. والنصف الأول من عنوان الكتاب تكرار لعنوان مصنف مر بنا الكلام عليه لأحمد طوسى ؛ وكما هو واضح فإن العنوان يحدد بصراحة انتماء المصنف إلى نمط العجائب Mirabilia المعروف ؛ وقد عاون كثيرا انتشار هذا العنوان بين المصنفات التى من هذا الطراز على سهولة الخلط بينها. والكتاب ينقسم فى جملته إلى قسمين يعالجان الكلام على العالمين العلوى والسفلى كل على حدة ، وتسبق هذا مقدمة تحوى تصنيفا عاما لجميع الموجودات وذلك وفقا للمذهب اليونانى كما وجد لدى أرسطو خاصة. والقسم الأول الذى يبحث فى العالم العلوى يتناول الكلام على الأجرام السماوية (الشمس والقمر والنجوم) وسكان ذلك العالم أى الملائكة ، وفى التوقيتات والتقاويم العربية والسريانية وما يرتبط بها من أعياد ومناسبات ؛ أما القسم الثانى فمكرس للأرض وظواهرها بأوسع معنى تحمله هذه الكلمة ففيه يرد الكلام بشكل عام عن العناصر الأربعة ثم عن كل واحد منها بشكل خاص فيعالج الحديث عن النار والهواء والماء وعن الشهب والرياح. ويحوى هذا القسم وصفا لتقسيم المعمورة إلى سبعة أقاليم مع بيان أسباب حدوث الزلازل وتكوين الجبال ونشأة الأنهار والمنابع والعيون ؛ ومحاولته لتدعيم هذه النظريات بتعليلات طبيعية وجيولوجية لا تخلو من الطرافة (٤٢). ويلى هذا عرض سريع لممالك الطبيعة الثلاث وهى المعدنية والنباتية والحيوانية (٤٣) ؛ والمملكة الأخيرة تبدأ بالكلام على الإنسان وخصائصه الأخلاقية وتشريحه وتركيبه العضوى ومميزات الشعوب المختلفة ؛ ويعقب هذا الكلام عن المخلوقات الأخرى ابتداء من الجن والغيلان (٤٤). ومن كل هذا تبدو لنا لوحة متعددة الألوان تحفل بمادة جغرافية وافرة كثيرا ما تكرر مادة مصنفه الآخر فى الجغرافيا.
__________________
(*) من المستحسن بهذه المناسبة أن نبين معانى ثلاثة ألفاظ هى كوزموغرافياCosmography أى علم وصف الكون وكوزمولوجياCosmology أى علم الكونيات وكوزموجيناCosmogeny أى علم نشأة الكون ، وهى جميعها مشتقة من اللفظ اليونانى كوزموس Cosmos أى الكون والنظام. (المترجم)