مصر وزرت فى سياحاتى مكتبة الملك الظاهر فى دمشق والمكتبة الخالدية فى القدس ومكتبة الموارنة فى حلب والمكتبة الخديوية فى القاهرة وغيرها مما تسنى لى الدخول والاشتغال فيه وجمعت المواد العديدة وكتبت بعض المقالات والانتقادات والأشعار المنثورة فى الجرائد والمجلات العربية والروسية :
وتعرفت خلال إقامتى فى الشرق العربى إلى كثير من علماء العرب ، وأدبائهم وصحافييهم ولا أنسى لطفكم وعنايتكم مدى الدهر. وكان هذا اللطف العربى المشهور من الأسباب التى جذبتنى إلى الشرق جذبة لا أتخلص منها مادمت حيا. تعرفت إلى الكثيرين من العلماء الذين صاروا من أعضاء المجمع العلمى المكرمين فيما بعد. ففى القاهرة عرفت جرجى زيدان الذى اخترمته المنية سنة ١٩١٤ وأحمد زكى باشا عضو المجمع العربى الحالى ، والأستاذ نالينو الإيطالى (Carlo Alphonso Nallino) ، وفى فلسطين السيد خليل السكاكينى والشاعر الفاضل إسعاف النشاشيبى ، وفى بيروت حضرت دروسا للأب العلامة لويس شيخو ، وفى دمشق زرت إدارة مجلة المقتبس الغراء. واستفدت فى هاتين السنتين أكثر مما استفدت طول حياتى. ولا أزال أرجو أن يرزقنى الله رؤية تلك البلاد المحبوبة ومسامرة أعيان علمائها مرة ثانية ، تمم الله أمنيتى بالخير فهو السميع المجيب.
وبعد رجوعى إلى الروسية عينت فى صيف ١٩١٠ مديرا لمكتبة فرع اللغات الشرقية فى كلية لننغراد ، وفى خريف هذه السنة صرت معلما ثانيا للعربيات فيها وفى سنة ١٩١٤ سافرت إلى أوروبا لدرس بعض المخطوطات فى مكاتبها المشهورة مثل ليبسك وهالّة ولا سيما ليدن من بلاد هولندا التى طارت شهرتها فى الدنيا بسبب مجموعتها فى الكتب. وقد اغترف منها كثير من علماء المشرقيات فى أوروبا. وعينت سنة ١٩١٧ معلما أول للعربيات فى المدرسة المذكورة ، ولم أزل أجتهد فى هذه الوظيفة حتى الآن على قدر الإمكان فى تقلبات الزمان. وقد أصاب الدهر المستعربين غيرى فى لننغراد فمات الأستاذ الأول ميدنيقوف سنة ١٩١٨ وتوفى الأديب كوزمين (Kuzmin) أحد تلاميذى سنة ١٩٢١ وقد كان مدة سنتين معلما ثانيا فى جامعتنا. وعين صديقى الفاضل الأستاذ شميدت (Schmidt) سنة ١٩٢٠ مديرا لمدرسة اللغات الشرقية فى تاشكند من بلاد ما وراء النهر وبقيت إلى الآن أدأب وحدى فى التعليم.
فى سنة ١٩٢١ انتخبت عضوا عاملا فى أكاديمية العلوم الروسية فى قسم التاريخ واللغات فجلست فى مجلس كان فارغا بوفاة أستاذى البارون روزن سنة ١٩٠٨. وفى السنة التالية انتخبت كاتما لأسرار القسم المذكور. وفى سنة ١٩٢٣ انتخبت عضوا مراسلا فى المجمع العلمى العربى فى دمشق ، وكان ذلك أكبر شرف نلته مدة عمرى وصار هذا التشريف مساعدا لى ومشجعا فى أحوالنا الصعبة. ورأيت فيه تقديرا أتفاخر به لأتعابى فى التعليم والبحث والتأليف منذ عشرين سنة.
أما مؤلفاتى العلمية التى بدأت بكتابتها من سنة ١٩٠٤ فجلّها إن لم أقل كلها فى آداب العرب