فى المضمون مع الوطواط : ومعطياته فى الجغرافيا الإقليمية (regional) بوجه عام طفيفة للغاية عند مقارنتها بالمعلومات ذات الطابع العام ؛ وكما هو الحال مع الأقسام الأخرى من الكتاب فإن النويرى لا يدعى لنفسه أصالة خاصة بل يذكر بالتحديد أنه إنما يقتفى أثر السابقين له ويلقى بجميع المسئولية على عاتقهم. وتبدو أصالته الأساسية فى معالجته الأدبية لمادته وينعكس هذا بوضوح تام فى القسم الذى يفرده للنبات مثلا فهو يعالج الكلام على النبات من وجهة نظر الأدب ويورد عنه ما هو ضرورى فقط للتثقيف الأدبى ، فالنبات نافع للإنسان كغذاء أو عطر أو أدوية طبية ولكن توضيح ذلك لديه يجريه فى الغالب عن طريق إيراد الأشعار ولهذا فإن القزوينى مثلا يفوقه فى وصفه لعدد أكبر من النباتات (٢٥) رغما من أن القسم النباتى لدى النويرى أكبر منه حجما.
وقد أخذ النويرى وقتا طويلا فى تأليف كتابه يصل إلى عشرين عاما ، وهو أمر ليس بالغريب إذا أخذنا فى الاعتبار حجم الكتاب الهائل. وهذا يفسر لنا تفسيرا كافيا السبب الذى جعل الأقسام المبكرة من الكتاب تضم زيادات ترجع إلى تاريخ متأخر وأن المؤلف ظل يضيف إلى القسم التاريخى على هيئة حوليات من عام لآخر إلى قرب وفاته. وكتاب النويرى مصدر من الدرجة الأولى بالنسبة للتاريخ والجغرافيا التاريخية المعاصرة له أو القريبة العهد منه ، أما بالنسبة للفنون الأخرى فإن أهميته تختلف باختلاف نوع المادة التى يعالج الكلام عليها فى كل فن.
وبفضل العدد الكبير من أجزائه المختلفه الذى وجد طريقة إلى مجموعات المخطوطات بأوروبا فقد بدأ الاهتمام بموسوعة النويرى منذ القرن الثامن عشر واجتذب الأنظار بصورة خاصة الجزء التاريخى منها. وقد بالغ العلماء أحيانا فى تقدير الأقسام المفردة لتاريخ الأزمنة السالفة ولكن لم يلبث أن تبين فى القرن العشرين أن النويرى مصدر ذو أهمية ثانوية فى هذا المجال بعد أن أصبحت فى متناول الأيدى معظم المصادر التى اعتمد عليها فى كتابة تلك الأقسام. وعلى النقيض من هذا فإن كتابه سيظل على الدوام مصدرا ذا أهمية كبرى بالنسبة للفترة التاريخية القريبة من عهد المؤلف سواء كان ذلك عن شمال أفريقيا والأندلس وصقلية (٢٦) أم عن أقطار مثل دولة الأوردو الذهبى ؛ وقد بين أهمية النويرى بالنسبة لتاريخ تلك الدولة أبحاث تيزنهاوزن Tiesenhausen ثم وكدت ذلك الأبحاث الأخيرة التى ظهرت فى الاتحاد السوفيتى. أما الأجزاء الأخرى من موسوعة النويرى فإنها لم تجتذب كثيرا أنظار البحاثة على الرغم من أن القسم الذى يحتوى على سير مشاهير الرجال يمكن أن يقدم مادة لبعض الدراسات ؛ وتحليل كل من قيدمان (٢٧) وفيران (٢٨) للفصول التى تبحث فى العطور والأدوية والنباتات بوجه عام يبين أن الكتاب لا يخلو من مادة قيمة تهم الجغرافى كما تهم عالم النبات ومؤرخ الحضارة.
ومما كان يعوق التقييم العام لموسوعة النويرى هو عدم وجود طبعة كاملة للكتاب ؛ ولقد كان من أفضل خدمات العلامة المصرى أحمد زكى باشا (توفى فى الخامس من يوليو عام ١٩٣٤) هو ما بذله من جهد