وافرة يكاد يقتصر على مواضع الجزيرة العربية المختلفة. وقد وصلت إلينا هذه المادة فى آثار فريدة ربما كانت الوحيدة من نوعها فى الأدب العالمى ، وكما هو معروف فإن القالب الأساسى الذى صيغ فيه الشعر العربى هو القصيدة التى كان القسم الأول منها يفرد عادة لذكر المحبوب و «الأطلال» حيث كانت تنزل قبيلته وقبيلة الشاعر من وقت لآخر ؛ هذا القسم من القصيدة المعروف بالنسيب كثيرا ما ورد فيه ذكر لأكثر من موضع أو موضعين جغرافيين يمكن فى أغلب الأحوال تحديد موقعها. فلبيد الذى أدرك محمدا وهو شيخ طاعن فى السن يذكر فى إحدى قصائده الأماكن المحيطة بالمدينة حين يقول (١٩) :
لهند بأعلام الأغر رسوم |
|
إلى أحد كأنهن وشوم |
فوقف فسلّى فأكناف ضلفع |
|
تربّع فيها تارة وتقيم |
بما قد تعل الواديين كليهما |
|
زنانير فيها مسكن فتدوم |
ويعطى فى موضع آخر وصفا فريدا لمسير قافلتهم فى تجاه الخليج الفارسى فيقول (٢٠)
جاوزن فلجا فالحزن يدلجن |
|
بالليل ومن رمل عالج كثبا |
من بعدما جاوزت شقائق فالد |
|
هناء فصلب الصمّان والخشبا |
وهكذا نبصر فى بداية قصيدة واحدة عددا من أسماء المواضع ، وليس بذى أهمية أن تكون مواضع خاملة الذكر ؛ ومثل هذه الحالة ليست بحالة استثنائية بل تغلب أن تكون القاعدة المطردة. فها هو عبيد بن الأبرص ، وهو من شعراء القرن السادس أيضا ، يتذكر المواضع التى هزم فيها أحد أمراء الغساسنة قبيلته فيقول : (٢١)
أقفر من أهله ملحوب |
|
فالقطبيّات فالذّنوب |
فراكس فثعيلبات |
|
فذات فرقين فالقليب |
فغردة فقفا حبر |
|
ليس بها منهم عريب |
وحسان بن ثابت ، شاعر محمد فيما بعد ، يتذكر فى أبيات له بعض المواضع التى أمضى فيها وقتا طيبا فى ضيافة آل جفنة فيقول (٢٢) :
لمن الدار أوحشت بمعان |
|
بين أعلا اليرموك فالخمّان |
فالقريّات من بلاس فدار |
|
يّا فسكّاء فالقصور الدوانى |
فقفا جاسم فأودية الصفر |
|
مغنا قبايل وهجان |
لقد حفظ لنا الشعر الجاهلى مادة لا تنضب من هذا القبيل ، وفى القرن التاسع عندما أخذ العلماء العرب يتتبعون مآثر أسلافهم عرب الجاهلية كانت هذه المادة هى القاعدة المتينة التى قامت عليها الرسائل