نزار معد بن قال هم أربعة مضر وربيعة وإياد وأنمار فكثر أولاد معد بن عدنان بن أدد ونموا وتلاحقوا ومنازلهم بمكة وما والاها من تهامة وانتشروا فى ما يليهم من البلاد وتنافسوا فى المنازل والمحالّ وأرض العرب يومئذ خاوية وليس فيها بتهامتها ونجدها وحجازها وعروضها كثير أحد لإخراب بختنصر إياها وإجلاء أهلها إلا من كان اعتصم منهم برؤوس الجبال وشعابها ولحق بالمواضع التى لا يقدر عليه فيها أحد متنكبا مسالك جنوده ومستنّ خيوله فارّا إليها منهم فاقتسموا الغور غور تهامة بينهم على سبعة أقسام لكل قسم ما يليه من ظواهر الحجاز ونجد وتهائم اليمن لمنازلهم ومحالهم ومسارح أنعامهم ومواشيهم وبلاد العرب كلها يومئذ على خمسة أقسام فى جزيرة مطيفة أى مديرة وطوف الجبل دوره ومنه الطواف حول الكعبة وطوائف من الناس فرق من أطراف الناس ويروى مطيقة من الطّوق وهو ما دار بالعنق من هجار فضه وغيره وهى جزيرة العرب التى صارت فى قسم من أنطق الله تعالى باللسان العربى حين تبلبلت الألسن ببابل وفى زمان نمرود بن كوش بن كنعان بن حام بنى نوح يوم قسم فالخ بن عابر بن شالخ بن ارفخشذ بن سام بن نوح الأرض بين أولاد نوح عم سام وحام ويافث» (١٠٩).
أما الرحلات القليلة التى حفظت لنا أوصافها عن ذلك العهد فمشحونة بتفاصيل خرافية جعلت حوادث الرحلة الواقعية نفسها هدفا للريبة حتى نسبت إلى القصص الشعبى. ومما تجدر الإشارة إليه أن اللون الغالب عليها بالذات ينتمى إلى العناصر الأخروية السائدة فى الجغرافيا الأسطورية. وسأقتصر فى هذا الصدد على إيراد مثالين يرتبط أولهما باسم شخصية غير مجهولة فى تاريخ الإسلام الأول وهو تميم الدارى الذى أقطعه محمد أرضا قرب حبرون الخليل من أعمال فلسطين ؛ والوثيقة المنحولة المتعلقة بهذه القصة قد اهتم بها عدد من المؤرخين العرب. وتميم الدارى المتوفى حوالى عام ٤٠ ه ـ ٦٦١ أصله من نصارى فلسطين العرب ، وقد استقر بالمدينة فى حياة محمد واعتنق الإسلام. وكنصرانى سابق فمن المحتمل أنه قد ساعد على إدخال العناصر المسحية فى الأحاديث المبكرة ، خاصة وأنه كان شخصيا من أوائل «القاصيّن» أى رواة الحكايات الدينية (١١٠). ففى إحدى قصصه يتحدث عن رحلة له ببحر الشام (البحر الأبيض المتوسط) حيث قذفت به عاصفة هو وصحبه إلى جزيرة مهجورة رأوا فيها رأى العين الدجال (Antichrist) مقيدا ورأوا أيضا الجساوسة (The Apocalyptic Monster) الذين سيظهرون فى آخر الزمان (١١١).
هذه القصة الملفقة ترجع إلى عهد مبكر ، وعلى أية حال فإننا نلتقى بها بجميع تفاصيلها فى أقدم مجموعات الحديث. ومن الطريف أنه يمكن بدقة كبيرة تتبع التطور التاريخى لهذه الأسطورة التى نالت انتشارا واسعا فى العالم الإسلامى. وفيما بعد نسبت إلى العصر التالى لوفاة النبى واكتسبت شكلا مغايرا لا يرد فيه أى ذكر لرحلة بحرية (١١٢) ، بل يقال إن الجن اختطف تميما من منزله بالمدينة وطار به فوق بلاد عديدة غير معروفة تسكنها مخلوقات غريبة ، بحيث يبدو التقاؤه بالدجال والجساوسة حادثا بين سلسلة من الحوادث ؛ وفى نهاية مطافه يصحبه أحد الملائكة على متن السحاب إلى منزله. وكانت زوجه قد ظنته