التعليقات الجغرافية على الأساطير الأخرويّة (eschatological legends) الموجودة بالحديث والتى ترجع فى معظمها إلى نفس أولئك الرواة الذين مر ذكرهم للتو. ففيها نلتقى بوصف دقيق للدجال (Antichrist) الذى يظهر فى آخر الزمان (٩٩) وللبلاد المرتبطة باسمه ، كما يرد أيضا وصف الصراط (١٠٠) الذى يؤدى إلى العالم الثانى ، ووصف الجنة (١٠١) والنار (١٠٢). وهنا تطغى الأسطورة على الجغرافيا تماما ، ولكن لم يكن بوسع العلماء العرب أن يتجاهاوها لذا فإن معظم المصنفات قد وقعت تحت تأثيرها.
وقد حدث بالطبع خلط بين التصورات الجغرافية المبنية على الواقع من جهة والحكايات والأساطير من جهة أخرى. ففى أقل من خمسين عاما بعد وفاة محمد أخذ فى الانتشار وصف تخطيطى فريد للمعمورة ينسب إلى عبد الله بن عمرو بن العاص فاتح مصر الشهير (توفى حوالى عام ٦٣ ه ـ ٧٣ ه ـ ٦٨٢ ـ ٦٩٢) جاء فيه (١٠٣) :
«صورة الدنيا على خمسة أجزاء كرأس الطير والجناحين والصدر والذنب فرأس الدنيا الصين وخلف الصين أمة يقال لها واق واق ووراء واق واق من الأمم ما لا يحصى إلا الله والجناح الأيمن الهند وخلف الهند البحر وليس خلفه خلق والجناح الأيسر الخزر وخلف الخزر أمتان يقال لإحداهما منشك وماشك (١٠٤) وخلف ما شك ومنشك يأجوج ومأجوج من الأمم ما لا يعلمها إلا الله وصدر الدنيا مكة والحجاز والشام والعراق ومصر والذنب من ذات الحمام (١٠٥) إلى المغرب وشرّ ما فى الطير الذنب».
هذه الرواية قد راجت بشكل خاص فى مصر طبعا ورواها من المتقدمين ابن عبد الحكم ومن المتأخرين ابن وصيف شاه والمقريزى وأبو المحاسن ، ورغما من إغراقها فى الخيال فيمكن استخراج تفاصيل ذات فائدة منها ، وقد استطاع فيران Ferrand استغلالها فى تحديد موقع بلاد واق واق التى ظنها البعض خطأ اليابان (١٠٦). ولا ينفرد العرب فى تصويرهم الأرض على شكل طائر إذ أن الفكرة قد وجدت لدى بعض الساميين الغربيين فقد تصوروا الأرض على هيئة طائر كونى (Cosmic) هائل (١٠٧). وقد انتقلت هذه الصورة بدورها من العرب إلى بعض رسائل المسلمين الصينيين (١٠٨).
هذا وتمتزج الأفكار الواقعية بالأفكار الموجودة بالتوراة فى وحدة غريبة حتى فيما يتعلق ببلاد العرب نفسها. مثال هذا قصة انتشار القبائل العربية التى تنسب إلى واحد من أخصب واضعى الأحاديث وهو ابن عباس (المتوفى حوالى عام ٦٨٧) والتى حفظت لنا فى وصف جزيرة العرب للهمدانى وفى معجم البكرى. وهى تعطى فكرة جيدة عن طابع هذه الأحاديث «الجغرافية» المبكرة التى تغلب الواقعية على موضوعها. ونصها :
«باب ما جاء عن ابن عباس رحمه الله تعالى فى ذكر جزيرة العرب. أما حديث عبد الله بن عباس فى جزيرة العرب فإنه ما نقل عن محمد بن السائب الكلبى عن ابن صالح عن ابن عباس من وجه وعن معاوية بن عميرة بن مخوس الكندى أنه سمع عبد الله بن عباس بن عبد المطلب وسأله رجل عن ولد