ونعالهم من جودة الخرز ولين الجلود ما لم ير مثله ، فكشف عن وجوههم رجلا بعد رجل فإذا بهم من ظهور الدم وصفاء الألوان كأفضل ما يكون للأحياء وإذا الشيب قد وخط بعضهم وبعضهم شبان سود الشعور وبعضهم موفورة شعورهم وبعضهم مطمومة وهم على زى المسلمين ، فانتهينا إلى آخرهم فإذا هو مضروب الوجه بالسيف ، وكأنه فى ذلك اليوم ضرب ، فسألنا أولئك الذين أدخاونا إليهم عن حالهم فأخبرونا أنهم يدخلون إليهم فى كل يوم عيد لهم يجتمع أهل تلك البلاد من سائر المدن والقرى إلى باب هذا الكهف فنقيمهم أياما من غير أن يمسهم أحد فننفض جبابهم وأكسيتهم من التراب ونقلم أظفارهم ونقص شواربهم ثم نضجعهم بعد ذلك على هيئتهم التى ترونها ، فسألناهم من هم وما أمرهم ومنذكم هم بذلك المكان فذكروا أنهم يجدون فى كتبهم أنهم بمكانهم ذلك من قبل مبعث المسيح عليه السلام بأربعمائة سنة وأنهم كانوا أنبياء بعثوا بعصر واحد وأنهم لا يعرفون من أمرهم شيئا غير هذا».
أما الواقعة الثانية من قصة عبادة والتى حفظها لنا المؤرخ الشهير الدينورى فقد بقيت مهملة إلى الآن. ولعل مرد ذلك إلى أنها نسبت سهوا إلى عبد الله بن الصامت وليس إلى عبادة ؛ ومسئولية هذا السهو تقع فى أغلب الاحتمال على النساخ لا على المؤرخ. ولإعطاء فكرة عن الأسطورة نورد القصة بحذافيرها : «وذكر عن عبد الله بن الصامت قال وجهنى أبو بكر رضه سنة استخلف إلى ملك الروم لأدعوه إلى الإسلام أو آذنه بحرب قال فسرت حتى أتيت القسطنطينية فأذن لنا عظيم الروم فدخلنا عليه فجلسنا ولم نسلم ثم سألنا عن أشياء من أمر الإسلام ثم صرفنا يومنا ذلك ثم دعا بنا يوما آخر ودعا خادما له فكلمه بشىء فانطلق فأتاه بعتيدة فيها بيوت كثيرة وعلى كل بيت باب صغير ففتح بابا منها فاستخرج خرقة سوداء فيها صورة بيضاء كهيئة رجل أجمل ما يكون من الناس وجها مثل دارة القمر ليلة البدر فقال أتعرفون هذا قلنا لا فقال هذا أبونا آدم عم ثم رده مكانه ، وفتح بابا آخر فاستخرج خرقة سوداء فيها صورة بيضاء كهيئة شيخ جميل الوجه فى وجهه تقطيب كهيئة المحزون المهموم فقال أتدرون من هذا قلنا لا قال هذا نوح ، ثم فتح بابا آخر فاستخرج خرقة سوداء فيها صورة بيضاء على صورة نبيّنا محمد صلعم وعلى جميع الأنبياء فلما نظرنا إليه بكينا فقال ما لكم فقلنا هذه صورة نبينا محمد صلعم فقال أبدينكم أنها صورة نبيكم قلنا نعم هى صورة نبينا كأنّا نراه حيا فطواها وردها وقال أما إنها آخر البيوت إلّا أنى أحببت أن أعلم ما عندكم ، ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه خرقة سوداء فيها صورة بيضاء أجمل ما يكون من الرجال وأشبههم بنبينا محمد صلعم ثم قال وهذا إبراهيم ، ثم فتح بيتا آخر فاستخرج صورة رجل آدم كهيئة المحزون المفكر ثم قال هذا موسى بن عمران ، ثم فتح بيتا آخر فاستخرج صورة لرجل له ضفيرتان كأنّ وجهه دارة القمر ثم قال وهذا داود ، ثم فتح بيتا آخر فاستخرج صورة رجل جميل على فرس له جناحان ثم قال وهذا سليمن وهذه الريح تحمله ، ثم فتح بيتا آخر فاستخرج صورة شاب جميل الوجه وفى يده عكازة وعليه مدرعة صوف ثم قال وهذا عيسى روح الله وكلمته ، ثم قال إن هذه الصورة وقعت إلى الإسكندر فتوارثها الملوك من بعده حتى أفضت إلىّ» (١٢٠)