عند العرب باسم «زيج الشاه» أو «زيج الشهريار» ومعناه زيج الملك (٦٣). واصله البهلوى معروف باسم «زيك شتروآيار» (Zik.i Shatroayar) ويبدأ حساب توقيته ببداية ملك يزدجرد أى فى اليوم السادس عشر من شهر يونيو عام ٦٣٢ ، وهو يزدجرد الثالث آخر ملوك آل ساسان (٦٤). وكما هو الحال دائما فإنه من العسير الحكم على أصله الذى لم يصل إلينا ، ولكنه لعب دورا خطيرا فى قالبه العربى (٦٥) ، وقد أفاد منه كما رأينا ما شاء لله (٦٦) كما وأن نظرياته لم تكن غريبة على محمد الخوارزمى (٦٧) أكبر دعاة المذهب اليونانى. ولما ثبتت جذور المذهب الأخير بدأ يبطل استعمال «زيج الشهريار» ولكنه لم يختف تماما وكثيرا ما اعتمد عليه الفلكى حبش المروزى (٦٨) ، ونال انتشارا واسعا على يد أبى معشر البلخى (المتوفى عام ٢٧٢ ه ـ ٨٨٦) الذى اشتهر فى أوروبا الوسيطة باسم Albumasar (٦٩) ، وذلك بقصصه المنمقة فى تاريخ هذا الزيج وأهميته. وأبو معشر أصله من بلخ ، انصرف فى أول أمره إلى دراسة التوحيد والحديث ، ثم فكر فى أداء فريضة الحج. أما ما حدث له فى هذا الصدد فيرويه لنا ياقوت فى معجمه «إرشاد الأريب» قال :
«كان بكر كر من نواحى القفص (١) ضيعة نفيسة لعلى بن يحيى بن المنجم وقصر جليل فيه خزانة كتب عظيمة يسميها خزانة الحكمة يقصدها الناس من كل بلد فيقيمون فيها ويتعلمون منها صنوف العلم والكتب مبذولة فى ذلك لهم والصيانة مشتملة عليهم والنفقة فى ذلك من مال على بن يحيى فقدم أبو معشر المنجم من خراسان يريد الحج وهو إذ ذاك لا يحسن كبير شىء من النجوم فوصفت له الخزانة فمضى ورآها فهاله أمرها فأقام بها وأضرب عن الحج وتعلم فيها علم النجوم وأعرق فيه حتى الحد وكان ذلك آخر عهده بالحج والدين والإسلام أيضا» (٧٠).
ومن بين المصنفات العديدة لأبى معشر هذا «زيج» يعتمد على خط نصف نهار قلعة كنكدز التى مر ذكرها أى أنه يرتفع إلى الأرصاد الهندية فى قالبها الفارسى (٧١). وحتى القرن السابع عشر كان لدى حاجى خليفة فكرة واضحة عن هذا الزيج عندما كتب يقول (٧٢) :
«زيج أبى معشر ... وهو مجلد كبير ألفه على مذهب الفرس وأثنى على هذا المذهب وقال إن أهل الحساب من فارس وغيره أجمعوا على أن أصح الأدوار أدوار هذه الفرقة وكانوا يسمونها سنى العالم وأما أهل زماننا يسمونها سنى أهل فارس».
ولعله بسبب هذه «الأدوار» قد أطلق على جداوله فى موضع آخر اسم «زيج الهزارات» أى «زيج الألوف» (٧٣) حيث نبصر فى القسم الثانى من التركيب لفظا فارسيا كذلك. وكان اهتمام أبى معشر بالأدوار الكونية (Cosmic Cycles) يرتبط ارتباطا وثيقا بالنظريات المتعلقة بأدوار حياة العالم وبمسألة طول «السنة الكبرى» الذى حدده بطلميوس كما حدده الهنود والعرب أيضا بست وثلاثين
__________________
(*) قريبا من بغداد. (المترجم)