نبأ الولادة والمحدّثون :
لا نريد من المحدّثين السّذّج ، الذين لم يعرفوا إلّا أساطير في خلال الكتب ، أو قول بسيط مثل (حدّثني فلان) وهو لا يرى سعة العلم إلّا بالتوسّع في النقل ، فيحشد من ذلك صفوفاً ، ويسرد من وَرَطات القالة أُلوفاً ، من غير ما تفقّه في مغزي الحديث ، ولا تبصّرٍ في مؤدّاه ، ثمّ إذا طوى الدهر أيّامه تناقلت الرجل ، ومحاباة نظرائه من أرباب المعاجم ، بأنّه (حافظ ، روى مائة ألف أو تزيد) إلى غيرها من ألفاظ الثناء الباطل.
إنّما نقصدُ هاهنا أئمّة الحديث ، ومهرة فنّه النياقد ، الذين لا يروقهم رمي القول على عواهنه ، فلا يؤمنون بالمنقول إلّا بعد التفرّغ من أمر إسناده ، والتثبيت فيه ، والتروّي في متنه ، حذار مخالفته لمعقولٍ ، أو مصادمته لشيء من الاُصول.
فنريد من المدّث ذلك الحَبر الناقد الضليع في العلم ، الذي ضرب فراغاً ن أويقاته للتبصّر في هذا الفن ، والإحاطة به من أطرافه بما هو من أشرف العلوم وأهمّ الفرائض على العلماء الباحثين.
فهو محدّثٌ حينَ يقف على هذا الثغر ، كما أنّه فقيهٌ متى طَفِقَ يردّ الفرع على الأصل ، ومفسّرٌ حين يتحرّى مغازي آي الكتاب الكريم واكتشاف مخبّآتها ، وهو فنّي إذا عطف النظر على أيّ من العلوم.
إذا عرفتَ القصد من هذا العنوان ، فإنّك جدّ عليم بدخول كثيرٍ ممن ذكرناهم من رواة الحديث أو الناصّين بمفاده ، كعلم الهدى السيّد المرتضى ، وأخيه السيّد الرضيّ ، وشيخ الطائفة الطوسيّ ، وقبلهم رئيس المحدّثين الصدوق ، وبعدهم رشيد الدين ابن شهر آشوب ، وابن الفتّال الشهيد ، وآية الله العلّامة الحلّي ،