فصول الكتاب
حديث المولد الشريف وتواتره :
يفتتح المؤلّف حديثه في هذا الباب بمقدّمة قصيرة جميلة تنمّ على قدرة عجيبة في اختيار الألفاظ ودقّتها على المراد.
يقول فيها : «إنّ المنقب في التاريخ والحديث جدّ عليم بأنّ هذه الفضيلة من الحقائق التي تطابق على إثباتها الرواة ، وتطامنت النفوس على اختلاف نزعاتها على الإخبات بها حيث لا يجد الباحث قطّ غميزَة في إسنادها ، ولا طعناً في أصلها ، ولا مُنتدحاً للكلام على اعتبارها ، وتضافر النقل لها وتواترت الأسانيد إليها ، وإن وجدَ حولها صَخباً من شذّاذ الناس وطأه بأخمص حجاه ، وأهواه إلى هوة البطلان السحيقة».
بعد هذه المقدّمة راح ينقل الرواية التي تحكي ولادةً اُخرى غير ولادة علي عليه السلام داخل الكعبة. ولادة حكيم بن حزام ، التي يرويها مصعب بن عبد الله ، والتي ما إن يصل النيسابوري إلى الفقرة الثانية فيها «... ولم يولد قبلَه ولا بعدَه في الكعبة أحد» وهي من زيادة هذا الراوي حتّى قال : «وهَم مصعب في الحرف الأخير وقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ كرّم الله وجهه ـ في جوف الكعبة» (١).
من هذا يتضح أنّ الحاكم وإن لم يناقش الفقرة الأُولى من الرواية (ولادة حكيم في الكعبة) بل سكت عنها مكتفياً بأنّه وصف مصعباً بالتوهّم إلّا أنّه نفاها في كلامٍ آتٍ أثبته الحافظ الكنجي.
__________________
(١) المستدرك ٣ : ٤٨٣.