نبأ الولادة والمحدّثون :
حتّى يصل سماحة الشيخ إلى المراد من المحدّثين راح يميّز بين المحدّثين الذين يصفهم بأنّهم سذّج ، لم يجيدوا إلّا نقل الأساطير أو قول بسيط مثل : «حدّثني فلان» فيحشد أساطير وأقوالاً بعيداً عن التفقّه في مغزى الحديث والتبصّر في مؤداه ....
يميّز بين هذا النوع من الذين يطلق عليهم أنّهم المحدّثون وبين نوع آخر اُولئك هم أئمّة الحديث ومهرة فنّه النياقد ، الذين ـ كما يعتبر الشيخ عنهم ـ لا يروقهم رمي القول على عواهنه ، فلا يؤمنون بالمنقول إلّا بعد التفرّغ من أمر إسناده والتثبّت فيه والتروّي في متنه ، حذار مخالفته لمعقول أو مصادمته لشيء من الاُصول ، وبالتالي فإنّ هذا المحدّث هو الحبر الناقد الضليع في العلم الذي ضرب فراغاً في أوقاته للتبصّر في هذا الفنّ ، والإحاطة به من أطرافه. فهو محدّث وهو فقيه وهو مفسّر حين يتحرّى مغازى آي الكتاب الكريم واكتشاف مخبآتها وهو فنيّ إذا عطف النظر على أيٍّ من العلوم.
وهذا هو المحدّث الذي يقصده سماحته ويريده وذكر لهذا مصاديق كالسيّد المرتضى والسيّد الرضيّ والشيخ الطوسي ، وقبلهم الصدوق وبعدهم ابن شهر آشوب وابن الفتّال والعلّامة الحلّي وابن البطريق ، ومن أهل السنّة كالحاكم وغيره.
وقفة قصيرة مع ابن أبي الحديد :
يقول ابن أبي الحديد في شرح النهج : واختلف في مولد علي عليه السلام أين كان؟ فكثير من الشيعة يزعمون أنّه وُلِدَ في الكعبة ، والمحدّثون لا يعترفون بذلك ، ويزعمون أنّ المولود في الكعبة حكيم بن حزام (١).
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ١ : ١٤.