السلام. (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) أي بعد ما علموا حقيقة الأمر وتمكنوا من العلم بها بالآيات والحجج. (بَغْياً بَيْنَهُمْ) حسدا بينهم وطلبا للرئاسة ، لا لشبهة وخفاء في الأمر. (وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) وعيد لمن كفر منهم.
(فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ)(٢٠)
(فَإِنْ حَاجُّوكَ) في الدين ، أو جادلوك فيه بعد ما أقمت الحجج. (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ) أخلصت نفسي وجملتي له لا أشرك فيها غيره ، وهو الدين القويم الذي قامت به الحجج ودعت إليه الآيات والرسل ، وإنما عبر بالوجه عن النفس لأنه أشرف الأعضاء الظاهرة ومظهر القوى والحواس (وَمَنِ اتَّبَعَنِ) عطف على التاء في أسلمت وحسن للفصل ، أو مفعول معه. (وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ) الذين لا كتاب لهم كمشركي العرب. (أَأَسْلَمْتُمْ) كما أسلمت لما وضحت لكم الحجة ، أم أنتم بعد على كفركم ونظيره وقوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) وفيه تعيير لهم بالبلادة أو المعاندة. (فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا) فقد نفعوا أنفسهم بأن أخرجوها من الضلال. (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) أي فلم يضروك إذ ما عليك إلا أن تبلغ وقد بلغت. (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) وعد ووعيد.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢١) أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ)(٢٢)
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) هم أهل الكتاب الذين في عصره عليهالسلام. قتل أولهم الأنبياء ومتابعيهم وهم رضوا به وقصدوا قتل النبي صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين ولكن الله عصمهم ، وقد سبق مثله في سورة البقرة. وقرأ حمزة «ويقاتلون الذين». وقد منع سيبويه إدخال الفاء في خبر إن كليت ولعل ولذلك قيل الخبر.
(أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) كقولك زيد فافهم رجل صالح ، والفرق أنه لا يغير معنى الابتداء بخلافهما. (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) يدفع عنهم العذاب.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ)(٢٣)
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) أي التوراة أو جنس الكتب السماوية ، ومن للتبعيض أو للبيان. وتنكير النصيب يحتمل التعظيم والتحقير. (يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) الداعي محمد عليه الصلاة والسلام وكتاب الله القرآن ، أو التوراة لما روي (أنه عليه الصلاة والسلام دخل مدراسهم فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد على أي دين أنت. فقال : على دين إبراهيم. فقالا إن إبراهيم كان يهوديا فقال : هلموا إلى التوراة فإنها بيننا وبينكم. فأبيا فنزلت). وقيل نزلت في الرجم. وقرئ ليحكم على البناء للمفعول فيكون الاختلاف فيما بينهم ، وفيه دليل على أن الأدلة السمعية حجة في الأصول. (ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ) استبعاد لتوليهم مع علمهم بأن الرجوع إليه واجب. (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) وهم قوم عادتهم الإعراض ، والجملة حال من فريق وإنما ساغ لتخصصه بالصفة.