فأخذناهم. (بِالْبَأْساءِ) بالشدة والفقر. (وَالضَّرَّاءِ) والضر والآفات وهما صيغتا تأنيث لا مذكر لهما. (لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) يتذللون لنا ويتوبون عن ذنوبهم.
(فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا) معناه نفي تضرعهم في ذلك الوقت مع قيام ما يدعوهم أي لم يتضرعوا. (وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) استدراك على المعنى وبيان للصارف لهم عن التضرع وأنه : لا مانع لهم إلا قساوة قلوبهم وإعجابهم بأعمالهم التي زينها الشيطان لهم.
(فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (٤٤) فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٤٥)
(فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ) من البأساء والضراء ولم يتعظوا به. (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) من أنواع النعم مراوحة عليهم بين نوبتي الضراء والسراء ، وامتحانا لهم بالشدة والرخاء إلزاما للحجة وإزاحة للعلة ، أو مكرا بهم لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال «مكر بالقوم ورب الكعبة». وقرأ ابن عامر «فتحنا» بالتشديد في جميع القرآن ووافقه يعقوب فيما عدا هذا والذي في «الأعراف». (حَتَّى إِذا فَرِحُوا) أعجبوا (بِما أُوتُوا) من النعم ولم يزيدوا غير البطر والاشتغال بالنعم عن المنعم والقيام بحقه سبحانه وتعالى. (أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) متحسرون آيسون.
(فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي آخرهم بحيث لم يبق منهم أحد من دبره دبرا ودبورا إذا تبعه.
(وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) على إهلاكهم فإن هلاك الكفار والعصاة من حيث إنه تخليص لأهل الأرض من شؤم عقائدهم وأعمالهم ، نعمة جليلة يحق أن يحمد عليها.
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (٤٦) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ)(٤٧)
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ) أصمكم وأعماكم. (وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ) بأن يغطي عليها ما يزول به عقلكم وفهمكم. (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ) أي بذلك ، أو بما أخذ وختم عليه أو بأحد هذه المذكورات. (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) نكررها تارة من جهة المقدمات العقلية وتارة من جهة الترغيب والترهيب ، وتارة بالتنبيه والتذكير بأحوال المتقدمين. (ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) يعرضون عنها ، وثم لاستبعاد الإعراض بعد تصريف الآيات وظهورها.
(قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً) من غير مقدمة. (أَوْ جَهْرَةً) بتقدمة أمارة تؤذن بحلوله. وقيل ليلا أو نهارا. وقرئ (بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً). (هَلْ يُهْلَكُ) أي ما يهلك به هلاك سخط وتعذيب. (إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) ولذلك صح الاستثناء المفرغ منه ، وقرئ «يهلك» بفتح الياء.
(وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٤٨) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ)(٤٩)
(وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ) المؤمنين بالجنة. (وَمُنْذِرِينَ) الكافرين بالنار ، ولم نرسلهم ليقترح عليهم ويتلهى بهم. (فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ) ما يجب إصلاحه على ما شرع لهم. (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) من العذاب. (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) بفوات الثواب.