بالتاء وقرئ «وما يشعرهم أنها إذا جاءتهم» فيكون إنكارا لهم على حلفهم أي : وما يشعرهم أن قلوبهم حينئذ لم تكن مطبوعة كما كانت عند نزول القرآن وغيره من الآيات فيؤمنون بها.
(وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ) عطف على لا يؤمنون أي : وما يشعركم أنّا حينئذ نقلب أفئدتهم عن الحق فلا يفقهونه ، وأبصارهم فلا يبصرونه فلا يؤمنون بها. (كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ) أي بما أنزل من الآيات. (أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) وندعهم متحيرين لا نهديهم هداية المؤمنين. وقرئ. «ويقلّب» و «يذرهم» على الغيبة ، و «تقلب» على البناء للمفعول والإسناد إلى الأفئدة.
(وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ)(١١١)
(وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً) كما اقترحوا فقالوا : لولا أنزل علينا الملائكة فأتوا بآياتنا (أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) وقبلا جمع قبيل بمعنى كفيل أي : كفلاء بما بشروا به وأنذروا به ، أو جمع قبيل الذي هو جمع قبيلة بمعنى جماعات ، أو مصدر بمعنى مقابلة كقبلا وهو قراءة نافع وابن عامر ، وهو على الوجوه حال من كل وإنما جاز ذلك لعمومه. (وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) لما سبق عليهم القضاء بالكفر. (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) استثناء من أعم الأحوال أي : لا يؤمنون في حال من الأحوال إلا حال مشيئة الله تعالى إيمانهم ، وقيل منقطع وهو حجة واضحة على المعتزلة. (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) أنهم لو أوتوا بكل آية لم يؤمنوا فيقسمون بالله جهد أيمانهم على ما لا يشعرون ، ولذلك أسند الجهل إلى أكثرهم مع أن مطلق الجهل يعمهم ، أو ولكن أكثر المسلمين يجهلون أنهم لا يؤمنون فيتمنون نزول الآية طمعا في إيمانهم.
(وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (١١٢) وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ)(١١٣)
(وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا) أي كما جعلنا لك عدوا جعلنا لكل نبي سبقك عدوا ، وهو دليل على أن عداوة الكفرة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام بفعل الله سبحانه وتعالى وخلقه. (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) مردة الفريقين ، وهو بدل من عدوا ، أو أول مفعولي (جَعَلْنا) و (عَدُوًّا) مفعوله الثاني ، ولكل متعلق به أو حال منه. (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) يوسوس شياطين الجن إلى شياطين الإنس ، أو بعض الجن إلى بعض ، وبعض الإنس إلى بعض. (زُخْرُفَ الْقَوْلِ) الأباطيل المموهة منه من زخرفه إذا زينه. (غُرُوراً) مفعول له أو مصدر في موقع الحال. (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ) إيمانهم. (ما فَعَلُوهُ) أي ما فعلوا ذلك يعني معاداة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وايحاء الزخارف ، ويجوز أن يكون الضمير للايحاء أو الزخرف أو الغرور ، وهو أيضا دليل على المعتزلة. (فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) وكفرهم.
(وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) عطف على (غُرُوراً) إن جعل علة ، أو متعلق بمحذوف أي وليكون ذلك (جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا). والمعتزلة لما اضطروا فيه قالوا : اللام لام العاقبة أو لام القسم كسرت لما لم يؤكد الفعل بالنون أو لام الأمر وضعفه أظهر ، والصغو : الميل والضمير لما له الضمير في فعلوه. (وَلِيَرْضَوْهُ) لأنفسهم. (وَلِيَقْتَرِفُوا) وليكتسبوا. (ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ) من الآثام.
(أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ