فجحده. وقيل المأمونون على الكثير النصارى إذ الغالب فيهم الأمانة ، والخائنون في القليل اليهود إذ الغالب عليهم الخيانة. وقرأ حمزة وأبو بكر وأبو عمرو (يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) و (لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) بإسكان الهاء وقالون باختلاس كسرة الهاء وكذا روي عن حفص والباقون بإشباع الكسرة. (إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً) إلا مدة دوامك قائما على رأسه مبالغا في مطالبته بالتقاضي والترافع وإقامة البينة. (ذلِكَ) إشارة إلى ترك الأداء المدلول عليه بقوله (لا يُؤَدِّهِ). (بِأَنَّهُمْ قالُوا) بسبب قولهم. (لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) أي ليس علينا في شأن من ليسوا من أهل الكتاب ، ولم يكونوا على ديننا ، عتاب وذم. (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) بادعائهم ذلك (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أنهم كاذبون ، وذلك لأنهم استحلوا ظلم من خالفهم وقالوا : لم يجعل لهم في التوراة حرمة. وقيل عامل اليهود رجالا من قريش فلما أسلموا تقاضوهم فقالوا سقط حقكم حيث تركتم دينكم وزعموا أنه كذلك في كتابهم. وعن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال عند نزولها «كذب أعداء الله ما من شيء في الجاهلية إلا وهو تحت قدمي إلا الأمانة فإنها مؤداة إلى البر والفاجر».
(بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)(٧٦)
(بَلى) إثبات لما نفوه أي بلى عليهم فيهم سبيل. (مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) استئناف مقرر للجملة التي سدت (بَلى) مسدها ، والضمير المجرور لمن أو لله وعموم المتقين ناب عن الراجع من الجزاء إلى (مَنْ) ، وأشعر بأن التقوى ملاك الأمر وهو يعم الوفاء وغيره من أداء الواجبات والاجتناب عن المناهي.
(إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٧٧)
(إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ) يستبدلون. (بِعَهْدِ اللهِ) بما عاهدوا الله عليه من الإيمان بالرسول والوفاء بالأمانات. (وَأَيْمانِهِمْ) وبما حلفوا به من قولهم والله لنؤمنن به ولننصرنه ، (ثَمَناً قَلِيلاً) متاع الدنيا. (أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ) بما يسرهم أو بشيء أصلا ، وأن الملائكة يسألونهم يوم القيامة ، أو لا ينتفعون بكلمات الله وآياته ، والظاهر أنه كناية عن غضبه عليهم لقوله : (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) فإن من سخط على غيره واستهان به أعرض عنه وعن التكلم معه والالتفات نحوه ، كما أن من اعتد بغيره يقاوله ويكثر النظر إليه. (وَلا يُزَكِّيهِمْ) ولا يثني عليهم (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) على ما فعلوه. قيل : إنها نزلت في أحبار حرفوا التوراة وبدلوا نعت محمد صلىاللهعليهوسلم وحكم الأمانات وغيرهما وأخذوا على ذلك رشوة. وقيل : نزلت في رجل أقام سلعة في السوق فحلف لقد اشتراها بما لم يشترها به. وقيل : نزلت في ترافع كان بين الأشعث بن قيس ويهودي في بئر أو أرض وتوجه الحلف على اليهودي.
(وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)(٧٨)
(وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً) يعني المحرفين ككعب ومالك وحيي بن أخطب. (يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ) يفتلونها بقراءته فيميلونها عن المنزل إلى المحرف ، أو يعطفونها بشبه الكتاب. وقرئ «يلون» على قلب الواو المضمومة همزة ثم تخفيفها بحذفها وإلقاء حركتها على الساكن قبلها. (لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ) الضمير للمحرف المدلول عليه بقوله (يَلْوُونَ). وقرئ «ليحسبوه» بالياء والضمير أيضا للمسلمين. (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) تأكيد لقوله : (وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ) وتشنيع عليهم وبيان لأنهم