أبو سفيان وأصحابه. (فَلا تَخافُوهُمْ) الضمير للناس الثاني على الأول وإلى الأولياء على الثاني. (وَخافُونِ) في مخالفة أمري فجاهدوا مع رسولي. (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فإن الإيمان يقتضي إيثار خوف الله تعالى على خوف الناس.
(وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٧٦) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(١٧٧)
(وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) يقعون فيه سريعا حرصا عليه ، وهم المنافقون من المتخلفين ، أو قوم ارتدوا عن الإسلام. والمعنى لا يحزنك خوف أن يضروك ويعينوا عليك لقوله : (إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) أي لن يضروا أولياء الله شيئا بمسارعتهم في الكفر ، وإنما يضرون بها أنفسهم. وشيئا يحتمل المفعول والمصدر وقرأ نافع (يَحْزُنْكَ) بضم الياء وكسر الزاي حيث وقع ما خلا قوله في الأنبياء لا يحزنهم الفزع الأكبر ، فإنه فتح الياء وضم الزاي فيه والباقون كذلك في الكل. (يُرِيدُ اللهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ) نصيبا من الثواب في الآخرة ، وهو يدل على تمادي طغيانهم وموتهم على الكفر ، وفي ذكر الإرادة إشعار بأن كفرهم بلغ الغاية حتى أراد أرحم الراحمين أن لا يكون لهم حظ من رحمته ، وإن مسارعتهم في الكفر لأنه تعالى لم يرد أن يكون لهم حظ في الآخرة. (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) مع الحرمان عن الثواب.
(إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) تكرير للتأكيد ، أو تعميم للكفرة بعد تخصيص من نافق من المتخلفين ، أو ارتد من العرب.
(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ)(١٧٨)
(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) خطاب للرسول عليهالسلام ، أو لكل من يحسب. والذين مفعول و (أَنَّما نُمْلِي) لهم بدل منه ، وإنما اقتصر على مفعول واحد لأن التعويل على البدل وهو ينوب عن المفعولين كقوله تعالى : (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ). أو المفعول الثاني على تقدير مضاف مثل : ولا تحسبن الذين كفروا أصحاب أن الإملاء خير لأنفسهم ، أو ولا تحسبن حال الذين كفروا أن الإملاء خير لأنفسهم ، وما مصدرية وكان حقها أن تفصل في الخط ولكنها وقعت متصلة في الإمام فاتبع. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم والكسائي ويعقوب بالياء على إن الذين فاعل وإن مع ما في حيزه مفعول وفتح سينه في جميع القرآن ابن عامر وحمزة وعاصم. والإملاء الإمهال وإطالة العمر. وقيل تخليتهم وشأنهم ، من أملى لفرسه إذا أرخى له الطول ليرعى كيف شاء. (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) استئناف بما هو العلة للحكم قبلها ، وما كافة واللام لام الإرادة. وعند المعتزلة لام العاقبة. وقرئ «إنما» بالفتح هنا وبكسر الأولى ولا يحسبن بالياء على معنى (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أن إملاءنا لهم لازدياد الإثم بل للتوبة والدخول في الإيمان ، و (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ) اعتراض. معناه أن إملاءنا خير لهم إن انتبهوا وتداركوا فيه ما فرط منهم. (وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) على هذا يجوز أن يكون حالا من الواو أي ليزدادوا إثما معدا لهم عذاب مهين.
(ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ