للمبالغة في كثرتهم والتصريح ، فإن الذرية تقع على الواحد والكثير ، وقرأ أبو عمرو و «أتبعناهم ذرياتهم» أي جعلناهم تابعين لهم في الإيمان. وقيل (بِإِيمانٍ) حال من الضمير أو الذرية أو منهما وتنكيره للتعظيم ، أو الإشعار بأنه يكفي للإلحاق المتابعة في أصل الإيمان. (أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) في دخول الجنة أو الدرجة. لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال «إن الله يرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه لتقر بهم عينه ثم تلا هذه الآية» وقرأ نافع وابن عامر والبصريان ذرياتهم. (وَما أَلَتْناهُمْ) وما نقصناهم. (مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) بهذا الإلحاق فإنه كان يحتمل أن يكون بنقص مرتبة الآباء أو بإعطاء الأبناء بعض مثوباتهم ، ويحتمل أن يكون بالتفضل عليهم وهو اللائق بكمال لطفه. وقرأ ابن كثير بكسر اللام من ألت يألت ، وعنه «لتناهم» من لات يليت و «آلتناهم» من آلت يولت ، و «ولتناهم» من ولت يلت ومعنى الكل واحد. (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) بعمله مرهون عند الله تعالى فإن عمل صالحا فكه وإلا أهلكه.
(وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢٢) يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (٢٣) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ)(٢٤)
(وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) أي وزدناهم وقتا بعد وقت ما يشتهون من أنواع التنعم.
(يَتَنازَعُونَ فِيها) يتعاطون هم وجلساؤهم بتجاذب. (كَأْساً) خمرا سماها باسم محلها ولذلك أنث الضمير في قوله : (لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) أي لا يتكلمون بلغو الحديث في أثناء شربها ، ولا يفعلوا ما يؤثم به فاعله كما هو عادة الشاربين في الدنيا ، وذلك مثل قوله تعالى : (لا فِيها غَوْلٌ) وقرأهما ابن كثير والبصريان بالفتح.
(وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ) أي بالكأس. (غِلْمانٌ لَهُمْ) أي مماليك مخصوصون بهم. وقيل هم أولادهم الذين سبقوهم. (كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) مصون في الصدف من بياضهم وصفائهم. وعنه صلىاللهعليهوسلم «والذي نفسي بيده إن فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب».
(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٥) قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (٢٦) فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (٢٧) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ)(٢٨)
(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) يسأل بعضهم بعضا عن أحواله وأعماله.
(قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ) خائفين من عصيان الله معتنين بطاعته ، أو وجلين من العاقبة.
(فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا) بالرحمة والتوفيق. (وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ) عذاب النار النافذة في المسام نفوذ السموم ، وقرئ «ووقّانا» بالتشديد.
(إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ) من قبل ذلك في الدنيا. (نَدْعُوهُ) نعبده أو نسأله الوقاية. (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ) المحسن ، وقرأ نافع والكسائي (إِنَّهُ) بالفتح. (الرَّحِيمُ) الكثير الرحمة.
(فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (٢٩) أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ)(٣٢)
(فَذَكِّرْ) فاثبت على التذكير ولا تكترث بقولهم. (فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) بحمد الله وإنعامه. (بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ) ، كما يقولون.
(أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) ما يقلق النفوس من حوادث الدهر ، وقيل (الْمَنُونِ) الموت