أما بعد فقد ورد علي كتابك تذكر فيه مسير الروم بقضهم (١) وقضيضهم فإن الله ـ تعالى ـ رأى أماكنهم ، حين بعث محمدا صلوات الله عليه ، وأعزه بالنصر ، ونصره بالرعب ، فقال وهو لا يخلف الميعاد : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (٢). وقد علمت أبا عبيدة أنه لم تكن شدة قط إلّا جعل الله بعدها فرجا فلا تهولنك (٣) كثرة من جاءك من الكفرة الفجرة ؛ فإن الله برئ منهم. ومن يبرأ الله منه فلن ينصره. ولا توحشك قلة المسلمين وكثرة الكافرين (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (٤). وليس بقليل من كان الله معه ، فأقم بمكانك ، وتوكل على الله ، واستظهر به وكفى بالله ظهيرا ، ووليا ونصيرا.
وقد كتبت في كتابك (٥) أن أحتسب المسلمين إن هم (٦) أقاموا ، ودينهم إن هم (٧) انهزموا. وليس الأمر (٨) كما ذكرت ـ رحمك الله يا أبا عبيدة ـ ؛ لأنك قد علمت أن المسلمين إن هم أقاموا ، وصبروا وقتلوا ، فما عند الله خير للأبرار. وقد قال الله تعالى : (مِنَ
__________________
(١) يقال : جاءوا قضهم بقضيضهم أي جاءوا بأجمعهم. لسان العرب (قضض). وفي فتوح الشام فقد قدم علي أبو ثمالة بكتابك ، يخبرني فيه بنفير الروم إلى المسلمين برا وبحرا ومما جاشوا عليكم وأساقفهم ، قسسهم ورهبانهم. إن ربنا المحمود عندنا والصانع لنا. والرسالة في فتوح الشام : ١٦٢ مع اختلاف في الرواية.
(٢) التوبة : ٣٣.
(٣) في الأصل : (يهولنك) وفي فتوح الشام : ٨٢ فلا تهولنك ، كثرة ما جاءك منهم فإن الله منهم بريء ، ومن يبرأ الله منهم كان قمنا أن لا تنفعه كثرة. وأن يكله الله إلى نفسه ، ويخذله ، ولا توحشك قلة المسلمين في المشركين فإن الله معك.
(٤) البقرة : ٢٤٩.
(٥) عبارة (في كتابك) غير موجودة في نص فتوح الشام. وانظر جزءا من كتابه في نثر الدر ٢ / ٢٨.
(٦) في الأصل : (أنهم) وفي فتوح الشام : (أنفس المسلمين إن هم).
(٧) في الأصل : (انهم).
(٨) في فتوح الشام : وأيم الله لو لا استثناؤك بهذا لقد كنت أسأت ولعمري إن أقام لهم المسلمون وصبروا فأصيبوا لما عند الله خبير للأبرار.