الحمد لله الذي لما خلق الإنسان جعل عقله دليله ، والرسل هداته والملائكة ، رقباءه (١) والشهود عليه جوارحه ، ثم جعله حسيب نفسه (٢) ، وردّ إليه كتابه يوم نشره (٣) ، يقرأه (٤) ، فلا يفقد حسنة عملها (٥) ، ولا يجد فيه سيئة لم يقترفها (٦). لم يلزمه الله عبادته حتى فرغ من هدايته ، وأزاح علله ، بأن ضمن الرزق له ، ثم وعده ، وتوعده ، وأمره ، وعلمه (فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٧).
نظر أعرابي إلى غمار الناس في الموسم ، فقال :
الحمد لله الذي أحصاهم عددا ، ولم يهمل منهم أحدا (٨).
لما توفي عبد الملك بن عمر (٩) بن عمر بن عبد العزيز قال عمر (١٠) :
الحمد لله الذي جعل الموت واجبا (١١) (١٢) على خلقه ، ثم سوّى فيه بينهم. فقال تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) (١٣).
__________________
(١) في الأصل : (رقباه).
(٢) في الأصل : (نفيسه).
(٣) في الأصل : (بشره).
(٤) إشارة إلى قوله تعالى : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (١٣) اقْرَأْ كِتابَكَ) الإسراء ١٣ ، ١٤.
(٥) في الأصل : (علمها).
(٦) في الأصل : (سبيه .. نقترفها).
(٧) غافر : ٦٤.
(٨) إشارة إلى قوله تعالى ـ مريم : ٩٤ ، ٩٥ (لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً).
(٩) عبد الملك بن عبد العزيز هو ابن الخليفة الأموي عمر كان صالحا تقيا قيل إنه كان يستشيره أبوه. نظر تاريخ الخلفاء : ٢٤٠.
(١٠) الخبر في التعازي : (حتما واجبا) وفي الأصل : (واجبا عليّ).
(١١) الخبر في التعازي والمراثي للمبرد : ٤٦.
(١٢) آل عمران : ١٨٥ ، الأنبياء : ٣٥. وبعد الآية في التعازي : فليعلم ذوو النهى أنهم صائرون إلى قبورهم مفردون بأعمالهم ، واعلموا أن عند الله مسألة فاحصة فقال جل وعز (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ).
(١٣) ابن عبد كان هو محمد بن عبد كان كاتب الدولة الطولوزية. كان بليغا مترسلا وأديبا. وله ديوان رسائل. انظر الفهرست : ٢٠٣.