دخل عبد الملك بن صالح (١) على الرشيد ، وكان الرشيد واجدا (٢) عليه ، متغيرا له ، فسلّم عبد الملك ، وجلس ، وأقبل الرشيد يعاتبه ، ويقرعه. فأقبل عليه عبد الملك كأنه صقر ، وقال :
يا أمير المؤمنين ، اتق الله فيما ولاك ، ورعيته فيما استرعاك ، ولا تضع الكفر مكان الشكر ، ولا العقاب موضع الثواب ، فقد والله محضتك (٣) النصيحة ، وشددت أواخي (٤) ملكك بأثقل من يلملم (٥) ، فالله (الله) في ذي رحمك أن تقطعه برجم (٦) أفصح الكتاب بآية (أنه) (٧) إثم.
فرضي عنه الرشيد ، ورجع له.
فصل
في أنواع من الخلال (٨) المذمومة
قيل لبعضهم : قال يحيى بن خالد : الشرف (٩) في السرف ، فقال قول الله أحق أن يتبع : (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ) (١٠).
__________________
(١) عبد الملك بن صالح بن علي العباسي أمير من بني العباس ، ولاه الهادي ثم عزله الرشيد ، ثم ولاه الرشيد ، وبلغه أنه يطلب الخلافة ، فحبسه ثم أطلقه الأمين وولاه توفي نحو ١٩٦ ه. انظر : فوات الوفيات ٢ / ١٢ ، مروج الذهب ٣ / ٣٤٤ ، النجوم الزاهرة ٢ / ٩٠ ، ١٥١ ، تاريخ ابن الأثير ٦ / ١٨٠ فما بعدها.
(٢) في الأصل : (وامرا).
(٣) في الأصل : (مخصتك النصيحة) وفي الكامل لابن الأثير : فقد نخلت لك النصيحة ، ومحضت لك الطاعة. وقوله هذا في مروج الذهب ٣ / ٣٤٤ وروايته تختلف عن رواية الثعالبي وابن الأثير.
(٤) في الكامل : وشددت أواخي ملكك بأثقل من ركني يلملم ، وتركت عدوك منشغلا.
(٥) يلملم : موضع على ليلتين من مكة ، وقيل هو جبل من الطائف على مسيرة ليلتين أو ثلاث. انظر : معجم البلدان ٤ / ١٠٣٦.
(٦) في الأصل : (يرحم) وفي الكامل لابن الأثير : فالله في ذي رحمك أن تقطعه بعد أن وصلته بظن أفصح الكتاب. وللنص تتمة.
(٧) ما بين القوسين زيادة ليست في الأصل في مروج الذهب ٣ / ٣٤٤ : وإن الرشيد قال للأصمعي بعد أن سمع كلامه : والله والله يا أصمعي لقد نظرت إلى موضع السيف في عنقه مرارا ، يمنعني في ذلك إبقائي على قومي في مثله. وفي الكامل لابن الأثير ، والله لو لا بقائي على بني هاشم لضربت عنقك ، ثم أعاده إلى مجلسه.
(٨) في الأصل : (الحلال).
(٩) في الأصل : (البشرف في).
(١٠) غافر : ٤٣.