ولما صار لما به ، دخل إليه نفر من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعودونه فلما نظر إليهم استعبر باكيا ، وبكوا بين يديه. فقالوا :
لا أبكى الله عينيك يا أمير المؤمنين ، وأبشر بالخير كله فإنك من الذين أنزل الله فيهم : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) (١) وممن قال فيهم : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً) (٢). ولقد صحبت رسول الله حتى بشّرك بالجنة في غير موطن ، وفارق الدنيا وهو عنك راض ، ثم خلّفت خليفة ، وأحسنت الخلافة ، ووليت أمور المؤمنين فلم تأخذك في الله لومة لائم. وعدلت في الرعية ، وقسمت بينهم بالسوية ، فجزاك عن نبيه وخليفته وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
ولما مضى عمر رضي الله عنه لسبيله وجهز ، أقبل علي رضي الله عنه باكيا ثم قال للناس :
هذا الفاروق قد مضى نحبه ، ولقي ربه. وكان لا تأخذه في الله لومة لائم ، ولا يتقدم ولا يتأخر [إلا] (٣) وهو على بينة من ربه ، حتى كأن ملكا يسدده. وكان شفيقا (٤) على المسلمين ، رءوفا بالمؤمنين شديدا على الكافرين ، فرحمة الله ورضوانه عليه. وو الله ما أحد من عباد الله أحب من أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجّى بين أظهركم.
__________________
(١) الفتح : ١٨.
(٢) نفسه : ٢٩.
(٣) زيادة ليست في الأصل يقتضيها السياق.
(٤) في الأصل : (شفيا).