أما سنة تأليف كتاب الاقتباس ، فيمكن تحديدها على التقريب من خلال تتبع الإشارتين السابقتين. فقد كتب الثعالبي كتاب اليتيمة أول مرة سنة ٣٨٣ ه (١). وكان تولي السلطان محمود الغزنوي السلطة سنة ٣٨٩ ه (٢) وأن أخاه نصرا قد تولى إمارة الجيش في عهده فإن إشارة الثعالبي لا بد أن تكون في النسخة الثانية التي كتب فيها كتاب اليتيمة بشكله النهائي سنة ٤٠٣ ه (٣). وعلى هذا تكون سنة تأليف الاقتباس بعد سنة ٣٨٩ ه ، وذكر د. محمود الجادر أنه صحّ لديه أن سنة تأليف الثعالبي لكتاب الاقتباس هي قبل سنة ٣٩٦ ه (٤).
منهج الكتاب :
وهب الثعالبي قدرة على استيعاب المادة التي يكتب فيها وتبويبها وفق منهج علمي دقيق لا يحيد عنه ولا يتناساه. ويبدو منهجه واضحا في يتيمة الدهر وثمار القلوب. أما كتاب الاقتباس هذا فقد صرح في مقدمته بنظرته الفاحصة ورغبته في تتبع النصوص المتعلقة بالاقتباس من القرآن الكريم ثم تبويبها وترتيبها. وهو ينبهنا على توفر الرغبة الشديدة في نفسه قبل البدء بالكتابة ، والرغبة الأكيدة في التصنيف في هذا الموضوع واتباع منهج يبوب فيه المادة ويصنفها. إن هذه الرغبة وعملية البحث قد أخذتا من الثعالبي وقتا طويلا شهورا وأعواما وليس هذا من باب المبالغة والثناء ؛ لأن الثعالبي كان صادقا في وصف حالة كثيرا ما تنتاب المؤلفين والكتاب ، وهي حصول الرغبة الأكيدة في التأليف التي تحث صاحبها على الكتابة ، ثم يعتورها فتور يقصر أو يطول أياما وشهورا إلى أن تجتمع إليه الهمة مرة أخرى ، فيكمل المشروع الذي بدأه من فترة طويلة ، وقد يكون الحافز على إتمام البحث والكتابة حدثا ما أو شخصية لها مكانتها الاجتماعية والسياسية يهدى إليها الكتاب. المهم أن فكرة التأليف لم تبدأ برغبته في الحصول على الحظوة لدى من أهدي إليه الكتاب ، وإنما سبقتها بأعوام ، فهي
__________________
(١) ملاحظات عن سيرة الثعالبي ٢٣٤.
(٢) الكامل لابن الأثير : حوادث سنة ٣٨٩ فما بعدها.
(٣) ملاحظات عن سيرة الثعالبي ٢٣٤.
(٤) دراسة توثيقية : ٢٥٣.