(وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥) ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٦) وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(٥٧)
____________________________________
لما قبله أى الذى يكثر توفيق المذنبين للتوبة ويبالغ فى قبولها منهم وفى الإنعام عليهم. (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) تذكير لنعمة أخرى عليهم بعد ما صدر عنهم ما صدر من الجناية العظيمة التى هى اتخاذ العجل أى لن نؤمن لأجل قولك ودعوتك أو لن نقرلك والمؤمن به إعطاء الله إياه التوراة أو تكليمه إياه أو أنه نبى أو أنه تعالى جعل توبتهم بقتلهم أنفسهم (حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) أى عيانا وهى فى الأصل مصدر قولك جهرت بالقراءة استعيرت للمعاينة لما بينهما من الاتحاد فى الوضوح والانكشاف إلا أن الأول فى المسموعات والثانى فى المبصرات ونصبها على المصدرية لأنها نوع من الرؤية أو حال من الفاعل أو المفعول وقرىء بفتح الهاء على أنها مصدر كالغلبة أو جمع كالكتبة فيكون حالا من الفاعل لا غير والقائلون هم السبعون المختارون لميقات التوبة عن عبادة العجل روى أنهم لما ندموا على ما فعلوا وقالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين أمر الله موسى عليهالسلام أن يجمع سبعين رجلا ويحضر معهم الطور يظهرون فيه تلك التوبة فلما خرجوا إلى الطور وقع عليه عمود من الغمام وتغشاه كله فكلم الله موسى عليهالسلام يأمره وينهاه وكان كلما كلمه تعالى أوقع على جبهته نورا ساطعا لا يستطيع أحد من السبعين النظر إليه وسمعوا كلامه تعالى مع موسى عليهالسلام افعل ولا تفعل فعند ذلك طمعوا فى الرؤية فقالوا ما قالوا كما سيأتى فى سورة الأعراف إن شاء الله تعالى وقيل عشرة آلاف من قومه (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) لفرط العناد والتعنت وطلب المستحيل فإنهم ظنوا أنه سبحانه وتعالى مما يشبه الأجسام وتتعلق به الرؤية تعلقها بها على طريق المقابلة فى الجهات والأحياز ولا ريب فى استحالته إنما الممكن فى شأنه تعالى الرؤية المنزهة عن الكيفيات بالكلية وذلك للمؤمنين فى الآخرة وللأفراد من الأنبياء الذين بلغوا فى صفاء الجوهر إلى حيث تراهم كأنهم وهم فى جلابيب من أبدائهم قد نضوها وتجردوا عنها إلى عالم القدس فى بعض الأحوال فى الدنيا قيل جاءت نار من السماء فأحرقتهم وقيل صيحة وقيل جنود سمعوا بحسيسها فخروا صعقين ميتين يوما وليلة وعن وهب أنهم لم يموتوا بل لما رأوا تلك الهيئة الهائلة أخذتهم الرعدة ورجفوا حتى كادت تبين مفاصلهم وتنقض ظهورهم وأشرفوا على الهلاك فعند ذلك بكى موسى عليهالسلام ودعا ربه فكشف الله عزوجل عنهم ذلك فرجعت إليهم عقولهم ومشاعرهم ولم تكن صعقة موسى عليهالسلام موتا بل غشية لقوله تعالى (فَلَمَّا أَفاقَ (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) أى ما أصابكم بنفسه أو بآثاره (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) بتلك الصاعقة قيد البعث به لما أنه قد يكون من الإغماء وقد يكون من النوم كما فى قوله تعالى (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ) الخ (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أى نعمة البعث أو ما كفرتموه بما رأيتم من بأس الله تعالى (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ) أى جعلناها بحيث تلقى عليكم ظلها وذلك أنه تعالى سخر