(وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ)(٥٨)
____________________________________
لهم السحاب يسير بسيرهم وهم فى التيه يظلهم من الشمس وينزل بالليل عمود من نار يسيرون فى ضوئه وثيابهم لا تتسخ ولا تبلى (وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) أى الترنجبين والسمانى وقيل كان ينزل عليهم المن مثل الثلج من الفجر إلى الطلوع لكل إنسان صاع وتبعث الجنوب عليهم السمانى فيذبح الرجل منه ما يكفيه (فَكُلُوا) على إرادة القول أى قائلين لهم أو قيل لهم كلوا (مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) من مستلذاته وما موصولة كانت أو موصوفة عبارة عن المن والسلوى (وَما ظَلَمُونا) كلام عدل به عن نهج الخطاب السابق للإيذان باقتضاء جنايات المخاطبين للإعراض عنهم وتعداد قبائحهم عند غيرهم على طريق المباثة معطوف على مضمر قد حذف للإيجاز والإشعار بأنه أمر محقق غنى عن التصريح به أى فظلموا بأن كفروا تلك النعم الجليلة وما ظلمونا بذلك. (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بالكفران إذ لا يتخطاهم ضرره وتقديم المفعول للدلالة على القصر الذى يقتضيه النفى السابق وفيه ضرب تهكم بهم والجمع بين صيغتى الماضى والمستقبل للدلالة على تماديهم فى الظلم واستمرارهم على الكفر (وَإِذْ قُلْنَا) تذكير لنعمة أخرى من جنابه تعالى وكفرة أخرى لأسلافهم أى واذكروا وقت قولنا لآبائكم أثر ما أنقذناهم من التيه (ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ) منصوبة على الظرفية عند سيبويه وعلى المفعولية عند الأخفش وهى بيت المقدس وقيل أريحاء (فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً) أى واسعا هنيئا ونصبه على المصدرية أو الحالية من ضمير المخاطبين وفيه دلالة على أن المأمور به الدخول على وجه الإقامة والسكنى فيؤول إلى ما فى سورة الأعراف من قوله تعالى (اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ). (وَادْخُلُوا الْبابَ) أى باب القرية على ما روى من أنهم دخلوا أريحاء فى زمن موسى عليهالسلام كما سيجئ فى سورة المائدة أو باب القبة التى كانوا يصلون إليها فإنهم لم يدخلوا بيت المقدس فى حياة موسى عليهالسلام (سُجَّداً) أى متطامنين مخبتين أو ساجدين لله شكرا على إخراجهم من التيه. (وَقُولُوا حِطَّةٌ) أى مسئلتنا أو أمرك حطة وهى فعلة من الحط كالجلسة وقرىء بالنصب على الأصل بمعنى حط عنا ذنوبنا حطة أو على أنها مفعول قولوا أى قولوا هذه الكلمة وقيل معناه أمرنا حطة أى أن نحط رحالنا فى هذه القرية ونقيم بها (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ) لما تفعلون من السجود والدعاء وقرىء بالياء والتاء على البناء للمفعول وأصل خطايا خطايىء كخضايع فعند سيبويه أبدلت الياء الزائدة همزة لوقوعها بعد الألف واجتمعت همزتان وأبدلت الثانية ياء ثم قلبت ألفا وكانت الهمزة بين ألفين فأبدلت ياء وعند الخليل قدمت الهمزة على الياء ثم فعل بها ما ذكر (وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) ثوابا جعل الامتثال توبة للمسىء وسببا لزيادة الثواب للمحسن وأخرج ذلك عن صورة الجواب إلى الوعد إيذانا بأن المحسن بصدد ذلك وإن لم يفعله فكيف إذا فعله وأنه يفعله لا محالة.