(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩٣) قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(٩٤)
____________________________________
بها بعد قصة العجل (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) أى إلها (مِنْ بَعْدِهِ) أى من بعد مجيئه بها وقيل من بعد ذهابه إلى الطور فتكون التوراة حينئذ من جملة البينات وثم للتراخى فى الرتبة والدلالة على نهاية قبح ما صنعوا (وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) حال من ضمير اتخذتم بمعنى اتخذتم العجل ظالمين بعبادته واضعين لها فى غير موضعها أو بإخلال بحقوق آيات الله تعالى أو اعتراض أى وأنتم قوم عادتكم الظلم (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) توبيخ من جهة الله تعالى وتكذيب لهم فى ادعائهم الإيمان بما أنزل عليهم بتذكير جناياتهم الناطقة بكذبهم أى واذكروا حين أخذنا ميثاقكم (وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) قائلين (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا) أى خذوا بما أمرتم به فى التوراة واسمعوا ما فيها سمع طاعة وقبول (قالُوا) استئناف مبنى على سؤال سائل كأنه قيل فماذا قالوا فقيل قالوا (سَمِعْنا) قولك (وَعَصَيْنا) أمرك فإذا قابل أسلافهم مثل ذلك الخطاب المؤكد مع مشاهدتهم مثل تلك المعجزة الباهرة بمثل هذه العظيمة الشنعاء وكفروا بما فى تضاعيف التوبة فكيف يتصور من أخلافهم الإيمان بما فيها (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه للمبالغة أى تداخلهم حبه ورسخ فى قلوبهم صورته لفرط شغفهم به وحرصهم على عبادته كما يتداخل الصبغ الثوب والشراب أعماق البدن وفى قلوبهم بيان لمكان الإشراب كما فى قوله تعالى (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً) والجملة حال من ضمير قالوا بتقديم قد (بِكُفْرِهِمْ) بسبب كفرهم السابق الموجب لذلك قيل كانوا مجسمة أو حلولية ولم يروا جسما أعجب منه فتمكن فى قلوبهم ماسول لهم السامرى (قُلْ) توبيخا لحاضرى اليهود إثر ما تبين من أحوال رؤسائهم الذين بهم يقتدون فى كل ما يأتون وما يذرون (بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ) بما أنزل عليكم من التوراة حسبما تدعون والمخصوص بالذم محذوف أى ما ذكر من قولهم سمعنا وعصينا وعبادتهم العجل وفى إسناد الأمر إلى الإيمان تهكم بهم وإضافة الإيمان إليهم للإيذان بأنه ليس بإيمان حقيقة كما ينبئ عنه قوله تعالى (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فإنه قدح فى دعواهم الإيمان بما أنزل عليهم من التوراة وإبطال لها وتقريره إن كنتم مؤمنين بها عاملين فيما ذكر من القول والعمل بما فيها فبئسما يأمركم به إيمانكم بها وإذ لا يسوغ الإيمان بها مثل تلك القبائح فلستم بمؤمنين بها قطعا وجواب الشرط كما ترى محذوف لدلالة ما سبق عليه (قُلْ) كرر الأمر مع قرب العهد بالأمر السابق لما أنه أمر بتبكيتهم وإظهار كذبهم فى فن آخر من أباطيلهم لكنه لم يحك عنهم قبل الأمر بإبطاله بل اكتفى بالإشارة إليه فى تضاعيف الكلام حيث قيل (إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ) أى الجنة أو نعيم الدار