(وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٩٥) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ)(٩٦)
____________________________________
الآخرة (عِنْدَ اللهِ خالِصَةً) أى سالمة لكم خاصة بكم كما تدعون أنه لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ونصبها على الحالية من الدار وعند ظرف للاستقرار فى الخبر أعنى لكم وقوله تعالى (مِنْ دُونِ النَّاسِ) فى محل النصب بخالصة يقال خلص لى كذا من كذا واللام للجنس أى الناس كافة أو للعهد أى المسلمين (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) فإن من أيقن بدخول الجنة اشتاق إلى التخلص إليها من دار البوار وقرارة الأكدار لا سيما إذا كانت خالصة له كما قال على كرم الله وجهه لا أبالى أسقطت على الموت أو سقط الموت على وقال عمار بن ياسر بصفين [الآن ألاقى الأحبه محمدا وحزبه] وقال حذيفة بن اليمان حين احتضر وقد كان يتمنى الموت قبل [جاء حبيب على فاقة فلا أفلح اليوم من قد ندم] أى على التمنى وقوله تعالى (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) تكرير للكلام لتشديد الإلزام وللتنبيه على أن ترتب الجواب ليس على تحقق الشرط فى نفس الأمر فقط بل فى اعتقادهم أيضا وأنهم قد ادعوا ذلك والجواب محذوف ثقة بدلالة ما سبق عليه أى إن كنتم صادقين فتمنوه وقوله تعالى (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً) كلام مستأنف غير داخل تحت الأمر سيق من جهته سبحانه لبيان ما يكون منهم من الإحجام عما دعوا إليه الدال على كذبهم فى دعواهم (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) بسبب ما عملوا من المعاصى الموجبة لدخول النار كالكفر بالنبى عليهالسلام والقرآن وتحريف التوراة ولما كانت اليد من بين جوارح الإنسان مناط عامة صنائعه ومدار أكثر منافعه عبر بها تارة عن النفس وأخرى عن القدرة (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) أى بهم وإيثار الإظهار على الإضمار لذمهم والتسجيل عليهم بأنهم ظالمون فى جميع الأمور التى من جملتها ادعاء ما ليس لهم ونفيه عن غيرهم والجملة تذييل لما قبلها مقررة لمضمونه أى عليم بهم وبما صدر عنهم من فنون الظلم والمعاصى المفضية إلى أفانين العذاب وبما سيكون منهم من الاحتراز عما يؤدى إلى ذلك فوقع الأمر كما ذكر فلم يتمن منهم موته أحد إذ لو وقع ذلك لنقل واشتهر وعن النبىصلىاللهعليهوسلم لو تمنوا الموت لغص كل إنسان بريقه فمات مكانه وما بقى يهودى على وجه الأرض (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ) من الوجدان العقلى وهو جار مجرى العلم خلا أنه مختص بما يقع بعد التجربة ونحوها ومفعولاه الضمير وأحرص والتنكير فى قوله تعالى (عَلى حَياةٍ) للإيذان بأن مرادهم نوع خاص منها وهى الحياة المتطاولة وقرىء بالتعريف (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) عطف على ما قبله بحسب المعنى كأنه قيل أحرص من الناس ومن الذين أشركوا وإفرادهم بالذكر مع دخولهم فى الناس للإيذان بامتيازهم من بينهم بشدة الحرص للمبالغة فى توبيخ اليهود فإن حرصهم وهم معترفون بالجزاء لما كان أشد من حرص المشركين المنكرين له دل ذلك على جزمهم بمصيرهم إلى النار ويجوز أن يحمل على حذف المعطوف ثقة بأنباء المعطوف عليه عنه أى وأحرص من الذين أشركوا فقوله تعالى